الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 575 ] ( فصل ) إذا تبين هذا وعلم أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك يستلزم الأمور الظاهرة من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة ; كما أن القصد التام مع القدرة يستلزم وجود المراد وأنه يمتنع مقام الإيمان الواجب في القلب من غير ظهور موجب ذلك ومقتضاه زالت " الشبه العلمية " في هذه المسألة ولم يبق إلا " نزاع لفظي " في أن موجب الإيمان الباطن هل هو جزء منه داخل في مسماه فيكون لفظ الإيمان دالا عليه بالتضمن والعموم ؟ أو هو لازم للإيمان ومعلول له وثمرة له فتكون دلالة الإيمان عليه بطريق اللزوم ؟ و " حقيقة الأمر " أن اسم الإيمان يستعمل تارة هكذا وتارة هكذا كما قد تقدم ; فإذا قرن اسم الإيمان بالإسلام أو العمل كان دالا على الباطن فقط . وإن أفرد اسم الإيمان فقد يتناول الباطن والظاهر وبهذا تأتلف النصوص . فقوله : { الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان } . أفرد لفظ الإيمان فدخل فيه الباطن والظاهر وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل : { الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } ذكره مع قوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول [ ص: 576 ] الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت } فلما أفرده عن اسم الإسلام ذكر ما يخصه الاسم في ذاك الحديث مجردا عن الاقتران . وفي هذا الحديث مقرون باسم الإسلام وقوله تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } دخل فيه الباطن فلو أتى بالعمل الظاهر دون الباطن لم يكن ممن أتى بالدين الذي هو عند الله الإسلام .

                وأما إذا قرن الإسلام بالإيمان كما في قوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وقوله : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وقوله تعالى { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } فقد يراد بالإسلام الأعمال الظاهرة كما في حديث أنس الذي في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الإسلام علانية والإيمان في القلب } . ومن علم أن دلالة اللفظ تختلف بالإفراد والاقتران كما في اسم الفقير والمسكين والمعروف والمنكر والبغي وغير ذلك من الأسماء وكما في لغات سائر الأمم ؟ عربها وعجمها زاحت عنه الشبهة في هذا للباب والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية