الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وأما " الحد " فالكلام عليه في مواضع : ( أحدها ) دعواهم أن التصورات النظرية لا تعلم إلا بالحد الذي ذكروه فالقول فيه كالقول في أن التصديقات النظرية لا تحصل إلا بالبرهان الذي حصروا مواده ولا دليل على ذلك ; ويدل على ضعفه أن الحاد إن عرف المحدود بحد غيره فقد لزم الدور أو التسلسل وإن عرفه بغير حد بطل المدعى فإن قيل : بل عرفه بالحد الذي انعقد في نفسه كما عرف التصديق بالبرهان الذي انعقد في نفسه قبل أن يتكلم به قيل : البرهان مباين للنتيجة فإن العلم بالمقدمتين ليس هو عين العلم بالنتيجة وأما الحد المنعقد في النفس فهو نفس العلم بالمحدود وهو المطلوب فأين الحد المفيد للعلم بالمحدود وهذا أحد ما يبين : [ ص: 263 ] ( الموضع الثاني ) وهو أنه قد يقال إن الحد لا تعرف به ماهية المحدود بحال بخلاف البرهان فإنه دليل على المطلوب أما بالنسبة إلى الحاد ; فلأنه عرف الشيء قبل أن يحده وإلا لم يصح حده ; لأن الحد يجب أن يطابقه عموما وخصوصا ولولا معرفته به قبل أن يحده لم تصح معرفته بالمطابقة وأما بالنسبة إلى المستمع فلأن معرفته بذلك إذا لم تكن بديهية ولم يقم الحاد عليه دليلا امتنع أن يحصل له علم بمجرد دعوى الحاد المتكلم بالحد ; ولهذا تجد المستمع يعارض الحد ويناقضه في طرده وعكسه ولولا تصوره المحدود بدون الحد لامتنعت المعارضة والمناقضة .

                وإنما فائدة الحد التمييز بين المحدود وغيره لا تصويره ; وهو مطابق لاسم الحد في اللغة فإنه الفاصل بينه وبين غيره ; وذلك أنه قد يتصور ماهية الشيء مطلقا . مثل من يتصور الأمر والخبر والعلم فيتصوره مطلقا لا عاما ; فالحد يميز العام الذي يدخل فيه كل خبر وعلم وأمر . ومن هنا يتبين لك أن الذي يتصور بالبديهة من مسميات هذه الأسماء وهو الحقيقة المطلقة غير المطلوب بالحد وهو الحقيقة العامة ; ثم التمييز للأسماء تارة وللصفات أخرى فالحد إما بحسب الاسم وهو الحد اللفظي الذي يحتاج إليه في الاستدلال بالكتاب والسنة وكلام كل عالم وإما بحسب الوصف وهو تفهيم الحقيقة التي عرفت صفتها وهذا يحصل بالرسم والخواص وغير ذلك .

                ( الموضع الثالث ) الفرق بين الذاتي والعرضي اللازم للماهية بحيث يدعي [ ص: 264 ] أن هذا لا تفهم الماهية بدونه بخلاف الآخر فإن العاقل إذا رجع إلى ذهنه لم يجد أحدهما سابقا والآخر لاحقا ثم إذا كان المرجع في معرفة الذاتي إلى تصور الذات والمرجع في تصورها إلى معرفة الذاتي كان دورا ; لأنا لا نعرف الماهية إلا بالصفات الذاتية ولا نعرف الصفات الذاتية حتى نتصور الذات ; فإن الصفات الذاتية ما تقف معرفة الذات عليها فلا تعرف الذاتية . إلا بأن نعرف أن فهم الذات موقوف عليها فلا تريد أن تفهم الذات حتى تعرف الذاتية وبسط هذا كثير .

                ( الموضع الرابع ) : دعواهم أن الماهيات مركبة ولا تركيب في الذهن .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية