الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال تعالى في عهود المشركين: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين .

                                                          بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية استبعاد أن يوفي المشركون بعهودهم، أو على الأقل بين أنه لا يصح للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه أن ينتظروا الوفاء من المشركين; لأنهم خانوا الله ورسوله، ومن يخن الله ورسوله فهو قد استمرأ النفاق، والنفاق والوفاء بالعهد نقيضان لا يجتمعان، ومن أمارة المنافق أنه إذا وعد أخلف.

                                                          كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الاستفهام للتعجب والاستنكار بمعنى النفي، فهذا إنكار للوقوع، أي: كيف يتوقع عند الله ورسوله أن يفوا بعهدهم لهما، وإذا كانوا كذلك فليس من المعقول أن يوفي الله تعالى لهم بعهد; لأن العهود توجب حقوقا وواجبات متبادلة، فمن توقع عدم الوفاء وتأكد له النكث في العهد فليس عليه وفاء.

                                                          وقد نفى الله بهذا أن يكون عند المشركين وفاء بعهد لله ولرسوله، وبالمثل لا يتوقعون الوفاء بعهد نكثوا فيه من جانبهم، ولكن كان من المعاهدين من المشركين من يتوقع الوفاء، فهؤلاء لا يرد إليهم عهدهم، ولذلك استثناهم الله سبحانه وتعالى، وهو العادل في قوله وحكمه فقال تعالى: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام وهم عند ابن كثير أهل الحديبية، وقد وفى النبي - صلى الله عليه وسلم – حتى [ ص: 3235 ] نقضوا العهد فأعانوا بني بكر - وكانوا في حلفهم - على خزاعة ، وكانوا في حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - واستغاثوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأغاثهم وفتح، ولكن يلاحظ أن وقائع العهود كانت بعد فتح مكة ، ولذا يجب أن يكون هؤلاء غير أهل الحديبية، ويجب أن تكون عهودهم بعد الفتح، وقد ذكر الزمخشري أن منهم بني كنانة وبني ضمرة .

                                                          الاستثناء هنا في معنى المنقطع؛ لأنهم مغايرون للأولين الذين كان منهم النكث، ولذلك ذكر الزمخشري أن الاستثناء هنا بمعنى (لكن) فهو استدراك وليس استثناء متصلا، وقد بين الله تعالى طريق معاملتهم فقال سبحانه وتعالى: فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم و"ما" هنا شرطية دالة على دوام الاستقامة في الوفاء بالعهد إذا أقاموه على وجهه من غير خيس فيه، ولا نقض لأي جزء من أجزائه فاستقيموا لهم أي: فأقيموا العهد، والعهود كما قلنا حقوق وواجبات متبادلة.

                                                          وإن الوفاء بالعهد من التقوى ، إذ هو يرضي الله، ويقوي الأمة، وهو من أفضل الأخلاق، ولذا ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: إن الله يحب المتقين

                                                          وهنا إشارة بيانية، وهي قوله تعالى: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله فلماذا تكررت العندية مع أن ما يكون عهدا عند الله يكون عهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ ونقول: إن تكرار العندية للإشارة إلى مقدار نكثهم للعهد، فهم نكثوا عهد الرسول، وتلك جريمة، ونكثوا عهد الله وهو العليم بذات الصدور، العليم بكل شيء.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية