الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 3359 ] قال تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم

                                                          كان المنافقون في المدينة يثبطون المؤمنين عن الجهاد ببث التخاذل فيهم، ووضع ما يؤدي إلى الفشل والعجز فيما بينهم لا يبالون، ما يمنعهم من غرضهم عشيرة أو جوار، أو أنه إذا نزلت بالمدينة كارثة لا ينجون منها.

                                                          فكانوا يستهزئون بالمؤمنين في مجالسهم، ويتهكمون عليهم إذا خرجوا إلى الجهاد، حاولوا تثبيطهم عنه ببث روح الفشل، أو بالتهكم اللاذع، واستصغار شأن المؤمنين، ومما جاء في مقالتهم من نفاقهم: "أنه بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في غزوة تبوك كان ركب من المنافقين وبعضهم يقول لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم لبعض، والله لكأنا بهم مقرنين في الحبال، قالوا ذلك ترهيبا للمؤمنين، وقال رجل من المنافقين طعنا في المؤمنين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء.

                                                          [ ص: 3360 ] علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأقوال، وراجت وشاعت بين المؤمنين، وكانت تشتد شيوعا كلما كان قتال; لأنه يلهج ألسنتهم بفساد القول كلما كانت حرب أو شدة لتكون السخرية، ويكون التثبيط.

                                                          وإذا سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الأقوال أقروا بها، وبمقصدهم منها، وهو العبث، وهذا قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب

                                                          والخوض هو الدخول في الماء والانغمار فيه، ثم أطلق على الدخول في الكلام الذي يسمرون به، والقصص من الأساطير، واللعب من الفعل أو القول الذي لا يكون لغاية، بل لمجرد العبث أو الاستهزاء والسخرية.

                                                          وقد أكد الله سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ولئن سألتهم بالقسم وفيه اللام الممهدة للقسم، وحذف المفعول; لأن أقوالهم كثيرة، وكان جوابهم مؤكدا تبعا لتأكد القسم، فهم أكدوا أنهم كانوا يخوضون ويلعبون، ومعنى ذلك أنهم كانوا يستهزئون، ولذلك أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون

                                                          بين الله سبحانه وتعالى خطر استهزائهم بالخوض في الكلام العابث، واللعب الجاحد، بين لهم أن ذلك يتضمن الاستهزاء بالله خالق كل شيء، والآيات التي ترشد العقلاء إلى الحق، والرسول الصادق الأمين الذي قامت الأدلة من القرآن ومن شخصه على الرسالة، فكفروا بالله وكذبوا الآيات.

                                                          وتقديم أبالله وآياته ورسوله على الفعل يستهزئون فيه إشارة إلى تخصيص هؤلاء بالاستهزاء، فأي ضلال أشد من هذا؟! وأي كفر وجحود أشد؟!

                                                          والاستفهام هنا للاستنكار، إنكار الواقع، أي التوبيخ على ما فعلوا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية