الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون

                                                          إذا كان كل من في الأرض ملكا لله تعالى وعبيدا له، فالمسيح مملوك لله تعالى; لأنه سبحانه خالقه، ومن يستنكف أن يكون عبدا لله تعالى، وإذا كان الوثنيون قد اتخذوا الأحجار آلهة، فإنه لا يقل شركا عنهم من قال إن الله اتخذ ولدا; ذلك أن كليهما أشرك، والوثنيون لم يمسوا الذات الإلهية وإن كانوا ضلوا ضلالا بعيدا، أما من قالوا اتخذ الله ولدا فقد وافقوهم في الشرك ومسوا الذات العلية.

                                                          قالوا اتخذ الله ولدا لم يبين سبحانه من قال هذا، والنصارى ليسوا وحدهم; ذلك لأن الذين قالوه كثيرون - غيرهم - قبلهم، فالبراهمة قالوا: إن كرشنة ابن الله، والبوذيون قالوا: إن بوذا ابن الإله، وعنهم أخذت الأفلاطونية الحديثة، وعن الأخيرة أخذت النصرانية بعد أن بدلت وحرفت عن مواضعها وكذبوا على المسيح عليه السلام.

                                                          وكل هؤلاء مشركون والفرق بينهم وبين المشركين من العرب، أن مشركي العرب عبدوا الأوثان بعد أن قالوا: إن الله خالق السماوات والأرض واحد في ذاته وصفاته، وإشراكهم كان في عبادة غيره معه، أما هؤلاء الذين ادعوا أن الله اتخذ ولدا فإنهم لا ينزهون ذات الله تعالى ويشركون الولد كما أشرك غيرهم. [ ص: 3611 ]

                                                          وفي قوله تعالى: قالوا اتخذ الله ولدا تصوير صادق لقولهم فهم يقولون إن الله تعالى أراد أن يكفر عن سيئة آدم التي لحقت الخليقة فأنزل ولده إلى الأرض ليكفر عن خطيئة الخليقة بصلبه فداء عنهم، وقوله تعالى يشير إلى ذلك إشارة بينة واضحة، وإنهم بذلك القول الأحمق الغريب يمسون الذات العلية فيحسبون أن الله يحتاج إلى الولد كما يحتاج البشر، ولذا قال سبحانه ردا لقولهم: سبحانه أي: تنزهت ذاته العلية، هو الغني إشارة إلى بطلان أقوال هؤلاء الذين لم يقولوا إن الله فاعل مختار، وقد بين سبحانه أن كلامهم ادعاء لا دليل عليه وافتراضات فرضتها الوثنية الرومانية والفلسفة اليونانية، ولذا قال سبحانه: إن عندكم من سلطان بهذا والسلطان هو الحجة، والقرآن الكريم يستعمل كلمة السلطان في معنى الحجة; لأن الحجة الباهرة توجد بسلطان من الحق على الباطل، وسلطة الحق أقوى وأبعد من سلطة الطغاة الظالمين وإن كان ذلك مجاز من أبلغ الكلام.

                                                          وإذا كانوا لا حجة لهم فقد قال تعالى في قولهم هذا أتقولون على الله ما لا تعلمون والاستفهام للتوبيخ ورميهم بالجهل أولا، وبالكذب على الله ثانيا، وبمخالفتهم لكل منطق وعقل ثالثا، وقد جاء في قوله تعالى في نفي الولد: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا

                                                          إنهم يقولون على الله ما لا يعلمون ويصفونه بما لا يليق ويفترون على الله تعالى الكذب، وقد ذكر سبحانه عاقبة ذلك فأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالرد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية