الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وانتقل سبحانه من البحار وماء الأرض إلى يابسها، وهو يشغل ربعها، فقال عز من قائل:

                                                          وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون .

                                                          قلنا إن الجزء اليابس من الأرض هو ربعها والبحار ثلاثة أرباعها، وكانت على هذا الاتساع لتصل أجزاءها، فالبحار يجري فيها الفلك المشحون ناقلة من الشرق إلى الغرب، والشمال إلى الجنوب، وكان جزء من الأرض مجهولا لجزئها الآخر، وكلاهما يابس فكشفته جارية في البحر، جرت فاتصلت الأجزاء، والماء سبيل الاتصال.

                                                          وبعد أن تكلم سبحانه عما في الماء من خيرات ومنافع تبتغى وتطلب من فضل الله ذكر الأرض اليابسة في مقابل الماء، وذكر الجبال التي جعلها الله سبحانه وتعالى أوتادا فقال سبحانه: وألقى في الأرض رواسي رواسي جمع راس، وفواعل يكون لفاعل إذا كان وصفا مما لا يفعل كشوامخ جمع شامخ، والرواسي هي الجبال، وقد قال تعالى: وألقى ومعناها خلق وأنشأ وجعل، ولكن عبر بـ (ألقى) للإشارة إلى أنها ليست من جنس التراب الذي يكون في السفح من حيث قوتها وكونها في أكثر أحوالها حجارة، ولما لها من هذه القوة ولما يبدو أنها ثقيلة كانت كأنها رواس؛ لأن الراسي هو الثابت المثبت، فكأنها ثبتت الأرض من أن تميد وتضطرب، والمعنى ألقى الله الجبال الراسيات لئلا تميد الأرض وتضطرب، أو خوف أن تضطرب، والمعنى على الحالين أن الرواسي أرستها وثبتتها وقال تعالى: وأنهارا وسبلا فالأنهار جزء من اليابس، وكذلك السبل في الأرض والصحارى، والمعنى أن الله تعالى جعل في الجزء اليابس من الأرض أنهارا تجري بالماء من مكان إلى مكان رزقا للعباد، ويقول في ذلك ابن كثير: «ينبع في [ ص: 4147 ] موضع وهو رزق لأهل موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار ويخترق الجبال والآكام فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله».

                                                          وفي ذكر الأنهار بعد الجبال إشارة إلى أن الجبال كما أنها أوتاد الأرض تنزل من فوقها الأمطار، فتجري في الوديان والأنهار، كما ترى في نهر النيل ودجلة والفرات وغيرها.

                                                          وسبلا أي طرقا يسير فيها السائرون كما قال تعالى: وجعلنا فيها فجاجا سبلا وختم الله تعالى الآية بقوله: لعلكم تهتدون أي رجاء أن تهتدوا وتدركوا الحق وتتركوا الباطل وتؤمنوا بمانح النعم، ومجريها وخالق الكون وكالئه وحافظه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية