الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          بعد ذلك أخذ سبحانه وهو المنعم بالوجود يبين بعض نعمه على الناس، فقال تعالت كلماته:

                                                          وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون .

                                                          الكلام موصول لبيان نعم الله تعالى، وقد ذكر أولا نعم الله تعالى على الوجود الكوني كله، بخلق السماوات والأرض ومن فيهن من أجرام وأحياء، وعقلاء وغير عقلاء، ثم يذكر في هذه نعمه على الإنسان خاصة، فيقول مخاطبا الناس، وما بكم من نعمة فمن الله (ما) اسم موصول بمعنى الذي، وهو يكون أحيانا في معنى الشرط، ولذا تدخل الفاء فيما بعده على أنه جواب الشرط الذي تضمنه الموصول، والمعنى على ذلك: الذي بكم من نعمة في الصحة والعقل والغذاء والكساء والمأوى، والماء الذي تشربون، والدفء الذي به تستدفئون، كل هذا وغيره مما غمركم به من نعم سابغات، فمن الله تعالى المنعم المتفضل على غيره، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

                                                          وهو مع هذه النعم السابقة كاشف الضر، ورافع الأذى، ولذا قال تعالى:

                                                          ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون أتى بـ (ثم) هنا للتباعد بين حال النعمة وحال الضر، أي أنه منزل النعم، وكاشف النقم، والضر هو ما يصيب الإنسان من ضرر في جسمه بمرض، أو يصيبه من تعرض للغرق أو الحرق، وهكذا من أسباب الضرر، ومسكم: أصابكم أو نزل بكم، فإليه وحده تضرعون، ولذا قال: "فإليه تجأرون" ، يقال: جأر يجأر جؤارا، أي تضرع ولجأ، وصاح لاجئا إلى الله تعالى، ولفظ (جأر) تدل على الالتجاء إلى الله تعالى لفزع وهلع، فإن كان الذي مسه مرضا جهش ودعا، وإذا كان الذي مسه ضررا كان التجاؤه بصياح كخوار البقر.

                                                          [ ص: 4195 ] ويقول تعالى: فإليه تجأرون بتقديم الجار والمجرور على الفعل، أي: إليه وحده تجأرون ضارعين.

                                                          وإذا كان يقتضي عبادة الله وحده في السراء، ولكن إذا كشف الضر كان من الناس من يشرك بربه، ولذا قال تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية