الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ظلم البنات

                                                          قال تعالى:

                                                          ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون

                                                          [ ص: 4198 ] إن الأوهام إذا كانت هي مصدر علم طائفة من الناس فلا تعجب، والأمثال على ذلك واقعة بين أيدينا في هذا الزمان ومن شأن من تحكمه الأوهام أن يتخيل ثم يظن ثم يتوهم ثم يعتقد، كان العرب يعرفون الملائكة، ويعرفون الله وأنه خالق كل شيء، وأنه المستغاث لكل مستغيث، وأنه الملجأ في الشديد، ولكن خلطوا بذلك أوهاما كثيرة أفسدت تفكيرهم، فأشركوا الأوثان مع الله تعالى، ومن ذلك أنهم توهموا أن الملائكة إناث لا ذكور، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، وجعلوها بنات الله تعالى، ثم ذهب بهم فرط أوهامهم إلى أن كان منهم من عبدها؛ ولذا قال تعالى:

                                                          ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون أي أنهم جعلوا لله البنات - تنزه وتقدس عن ذلك - ولهم ما يشتهون، وهم الذكور، ومعنى يشتهون: يختارون راغبين ملحفين في الدعوة حتى كأنهم شهوة يشتهونها؛ لأنهم يرونهم امتدادا لوجودهم، ولأنهم يرون فيهم النصرة في الحرب؛ ولذا كان الرجل يكون في قوة ببنيه ويكون أعز نفرا، ولقد نعى الله تعالى عليهم أن قالوا لله تعالى ولدا، فقال تعالى: ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون وأن ذهب فرط أوصافهم أن يقولوا ولد الله بنات أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون

                                                          ويقول [ ص: 4199 ] سبحانه ردا عليهم: ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى

                                                          هكذا تدرج بهم الوهم من زعم أن لله ولدا، وإن هذا الولد من الإناث اللائي لا يرغبن فيهن، ثم استرسل بهم الوهم حتى كان منهم من عبد الملائكة، وهم طائفة من الصابئة كانت تعبد الأرواح.

                                                          وإن رغبتهم في الذكور ورغبتهم عن الإناث تدفعهم إلى أن تسود وجوههم عند ولادة الأنثى؛ ولذا قال تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية