الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن الله تعالى يعلم ظلم الناس وظلمهم للنساء؛ ولذا قال تعالت كلماته:

                                                          ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .

                                                          إن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وهو القادر على كل شيء وهو العليم بما يفعله الناس، ولكنه لا يؤاخذ الناس على ظلمهم، وقت نزول الظلم، بل يؤخرهم، ولذا قال تعالى:

                                                          ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة

                                                          (لو) حرف امتناع لامتناع، أي: امتنع عذاب الله تعالى؛ لأنه سبحانه لا يؤاخذ الناس بظلمهم، وإن الناس منهم من يشركون بالله، وإن الشرك لظلم عظيم، ومنهم من يقترف الآثام المخزية المفسدة للجماعات، ومنهم من يعتدي، ولا يعد القوي قويا إلا إذا اعتدى كما قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:


                                                          والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم

                                                          [ ص: 4203 ] والظلم ماحق للخير، وإن الله إذا آخذ الناس بظلمهم المستمر المتوالي لعمهم بعذاب من عنده، بريح صرصر عاتية، أو يخسف بهم الأرض، أو يجعل عاليها سافلها، أو بأن تجف السماء فلا تمطر، فيكون الجدب ثم الموت، وبذلك يهلك الناس والدواب، ولم يبق على ظهرها غاثية أو راغية، وبذلك يموت الجميع ولا تبقى دابة، وخلاصة المعنى أن الله تعالى لو آخذ الناس لعمهم بعذاب لا يترك منها دابة تدب على وجه الأرض، فنقمة الظالم تعم ولا تخصه، كما قال تعالى:

                                                          واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة والتعبير بالمضارع في قوله تعالى: ولو يؤاخذ الله فيه نفي للمؤاخذة في المستقبل، كما لم يؤاخذ في الماضي؛ لأن الله عدل لا يأخذ المطيع بجريمة العاصي، ولا يأخذ العجماء بجريمة الإنسان.

                                                          ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى حيث يمكن تمييز الظالم من العادل، والمسيء من المطيع، والمسؤول من غير المسؤول، فإذا جاء أجلهم الموقوت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، والسين والتاء للطلب، والمعنى: ليس لهم أن يطلبوا التأخير والتقديم، بل هو لاحق بهم ما يستقبلهم، والله أعلم.

                                                          وبعد ذلك أشار سبحانه إلى ظلمهم في النساء، وهو ظلم مستمكن في نفوسهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية