الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقال (تعالى): ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "التفث ": الأوساخ؛ والأدران التي تكونت بسبب المنع من الاستحمام؛ وحلق الشعر؛ والعانة؛ والإبط؛ مما يوجبه الإحرام؛ ويستمر به الشخص محرما؛ لا يتناول شيئا مما حرمه الله (تعالى)؛ وذلك ليعيش عيشة الفقراء؛ فيحس بآلام الفقراء؛ وبؤس المحرومين من زينة الدنيا؛ وليكون الناس على سواء أمام الله (تعالى)؛ وليجيئوا إلى ضيافة الرحمن كما ولدتهم أمهاتهم؛ ويخرجوا من الحج؛ كما ولدتهم أمهاتهم؛ وقضاء التفث يرمز إليه بحلق الرأس؛ أو التقصير؛ والاكتفاء بقدر من قص الشعر؛ وتقليم الأظفار؛ الذي كان ممنوعا بالتحريم.

                                                          والتعبير بـ "ثم "؛ هنا؛ لإفادة التفاوت بين حال المنع بالإحرام؛ وحال التحلل منه؛ مثوبا مكرما؛ وحين ذلك يكون نحر الهدي لمن وجب عليه الهدي. [ ص: 4976 ] وليوفوا نذورهم أمر بالوفاء بالنذور؛ ووقته هو بعد التحلل من إحرام الحج؛ لأن الوفاء بالنذر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه؛ ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه "؛ وقد قال الفقهاء: إن النذر يجب الوفاء به؛ بشرط ألا يكون معصية؛ وأن يكون طاعة في ذاته؛ وأن يكون من جنسه؛ وكان الوفاء بالنذر بعد التحلل من الإحرام؛ لكيلا تختلط عبادتان؛ وليكون إحرام الحج خالصا للحج؛ ثم قال (تعالى): وليطوفوا بالبيت العتيق وشدد - سبحانه - في الطواف بصيغة الافتعال؛ تشديدا في الوجوب; لأن صيغة الافتعال تفيد التشديد في الفعل؛ وإن هذا الطواف الذي يكون بعد النحر والوقوف بعرفة والمشعر الحرام هو الركن؛ وهو ما يسمى بطواف الزيارة؛ و "البيت "؛ هو المسجد الحرام؛ وذكره مجرد إشعار بشرفه؛ ولأنه معرف من غير تعريف؛ ووصف بالعتيق؛ "العتيق "؛ معناه: القديم؛ ومعناه: المعتق من التعدي على حرماته؛ فهو أول بيت وضع للناس؛ كما قال (تعالى): إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ؛ وهو معتق من الاعتداء عليه من عدو مهاجم؛ وبذلك يتبين الإثم الكبير الذي رمى به الطاغية الأثيم الحجاج بن يوسف الثقفي ؛ وهذا إلحاد في البيت؛ ولا يبرره أي مبرر؛ ولكن مع إثم الحجاج قد أعاد الله بيته على يده الهادمة؛ فكان معتقا أيضا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية