الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وبين - سبحانه وتعالى - أن الذين يروجون الفساد ويتهمون الأبرار يعملون على إشاعة الفاحشة ونشرها؛ فقال (تعالى): إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ؛ بين - سبحانه - في هذه الآية ما يترتب على رمي البرآء؛ واتهام الأتقياء؛ وخصوصا من لهم مكانة في الإيمان والفضل؛ وقد بين ما يترتب عليه إشاعة الفحشاء ونشرها بين الذين آمنوا; وذلك لأنها إذا شاعت في الأتقياء ذوي المكانة سهل ارتكاب الفاحشة؛ فإذا تسامع من تكون في قلبها نزغة أن فلانة من أزواج الكبراء قد ارتكبتها؛ فلا تجد حرجا أو لائمة أن ترتكبها؛ فكأن الذين يلوكون بألسنتهم اتهام أزواج الكبراء؛ قاصدين إليها؛ غير متأثمين من ترويجها؛ يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا; لأنهم إذا علموا النتائج المترتبة على قولهم؛ واستمروا في غيهم؛ فهم يحبون هذه النتيجة ويسعون بعملهم إليها؛ وقد ذكر - سبحانه - ذلك ليعلم العابثون - إن استمروا - أنهم يحبون هذا الفساد؛ وقد ذكر - سبحانه - جزاءهم؛ فقال: [ ص: 5165 ] لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ؛ أما عذاب الدنيا فهو العقاب الصارم؛ وهو الحد؛ والحد - كما قلنا - يتضمن ثلاثة أنواع؛ لا يكفر إلا آخرها؛ وهي الجلد ثمانين جلدة؛ والثاني: ألا تقبل لهم شهادة أبدا؛ والثالث: الحكم عليهم بأنهم فاسقون؛ وهذا ما تكفره التوبة.

                                                          وأما عذاب الآخرة فإن الله (تعالى) اختصه بعلمه؛ حتى نراه يوم القيامة عيانا؛ ولا نعلم منه إلا ما أراد الله بيانه في القرآن الكريم؛ من عذاب الكافرين؛ ثم قال (تعالى) - مؤكدا العواقب الوخيمة من رمي البريئات والبرآء -: والله يعلم وأنتم لا تعلمون ؛ الله وحده يعلم صحة الاتهام؛ إن كان صحيحا؛ ومواضع التهمة؛ ويعلم أثر ذلك في الجماعات؛ من إشاعة الفساد؛ وانحلال الرابطة الاجتماعية؛ وإشاعة الأقوال الباطلة؛ وأنتم لا تعلمون ؛ أسرار البيوت ودخائلها؛ فإن ذلك في كن مستور؛ ومن المصلحة ستره؛ روى أبو الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله (تعالى) لم يزل في سخط الله (تعالى) حتى ينزع؛ وأيما رجل شد غضبا على مسلم في خصومة لا علم له بها؛ فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه؛ وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة؛ وأيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا؛ كان حقا على الله (تعالى) أن يدنيه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال " ؛ وإن هذا الحديث؛ كما روي؛ جامع لآفات اللسان التي ترمي في نار جهنم؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية