الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          حال المشركين يوم القيامة

                                                          قال (تعالى): ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا

                                                          ويوم يعض الظالم على يديه ؛ هذا معطوف على ويوم تشقق السماء بالغمام ؛ وقوله (تعالى): يعض الظالم على يديه ؛ هذا التعبير كناية عن تحسره [ ص: 5271 ] وغيظه؛ وندمه على أن فاته وقت العمل؛ وقد ووجه بعاقبة ما أهمل؛ وإنكاره ليوم البعث؛ الذي رآه رأي العين؛ وشاهده؛ وهو الآن يلقى ويلاته وآلامه.

                                                          ولسان حاله يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ؛ و " يا " ؛ هنا؛ ليست للنداء؛ ولكنها للتنبيه على ما يتمناه نفسه؛ وقد فات وقت الأماني؛ وتمني الأماني؛ وقد فات وقتها؛ وسجل عليه فواتها؛ أو نقول: إن " يا " ؛ للنداء؛ وتنادى فيه الأماني التي فاتته؛ نادما؛ ولات حين مندم.

                                                          والأمنية التي كان يتمناها؛ وهي قوله: اتخذت مع الرسول سبيلا ؛ أي: لم أفارقه؛ ولم أعانده؛ ولم أكذبه؛ وقد كان الصديق الأمين؛ والرسول هو محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وإن البيان كمال شخصه ورسالته؛ ومعنى اتخذت مع الرسول سبيلا ؛ أي: سرت في مساره غير مفارق سبيله الذي اختار؛ وتنكير " سبيلا " ؛ للإشارة إلى كرم طريق الرسالة والهداية الذي فارقه؛ ولم يسر فيه؛ بل ضل عنه ضلالا بعيدا.

                                                          والظالم هو من اتصف بالظلم في عبادته؛ فأشرك؛ وإن الشرك لظلم عظيم؛ أو آذى المؤمنين؛ أو كان يعيث في الأرض فسادا؛ فليس المراد شخصا؛ أو أشخاصا؛ وإن كانت الآية قد اقترن نزولها بظلمهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية