الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أصل استجابوا: طلبوا الإجابة، والمعنى هنا أنهم عالجوا أنفسهم وطلبوا إجابة داعي الله إلى النصر، فأجابوا، فالاستجابة لأن السين والتاء للطلب تدل على أنهم راضوا نفسهم على إجابة الله تعالى، ونالوا ذلك الشرف العظيم؛ إذ أجابوا داعي الله ورسوله من بعد ما أصابهم ذلك الجرح ولم ينهنه من قوتهم، بل استرسلوا في قوة وصبر وعزيمة، واستثارهم الجرح ولم يضعفهم، وأنهم أجابوا الداعي فور الواقعة، فإنه يروى في ذلك أنه لما رجع المشركون قالوا: " لا محمدا [ ص: 1507 ] قتلتم، ولا الكواعب أردفتم ، بئسما صنعتم، ارجعوا " . فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فندب المسلمين، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد، ولكن خذل الله المشركين، وقوى المؤمنين، فرجع المشركون من حيث جاءوا، ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ندب المؤمنين أذن مؤذن رسول الله بطلب العدو، وأذن مؤذنه " ألا يخرجن معنا إلا من حضر أحدا ، فخرجوا فهؤلاء هم الذين استجابوا لله والرسول؛ لأنه لم تأخذ الهزيمة من نفوسهم، وإن أصيبوا بكلوم في أجسامهم، وقد قال سبحانه وتعالى في جزائهم.

                                                          للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم اختص سبحانه وتعالى من أولئك الذين جاهدوا ولم يستشهدوا بعد بأن لهم أجرا عظيما، وهنا يلاحظ ثلاثة أمور: (أولها) : أن الله لم يذكر الأجر لهم جميعا؛ لأنهم كانوا أحياء، والحي قد يغير ويبدل، فكان لا بد من التقييد بالإحسان والتقوى، أي يستمر على ما هو عليه.

                                                          (وثانيها) أن الإحسان هنا غير التقوى، إذ الإحسان هو إجادة الخطة، واتباع المنهج المستقيم في القتال، وذلك لا بد منه في الانتصار، والطاعة المطلقة للقائد من إحكام الخطة.

                                                          (ثالثها) أن التقوى - وهي وقاية النفس من الغرض والهوى والاتجاه إلى الله وإخلاص وقلب سليم خال من الشوائب - أساس الأجر العظيم، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية