الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والنية من شرطه وسنبينه وتفسيره إن شاء الله تعالى . وجه قوله في الخلافية قوله عليه الصلاة والسلام { لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل } ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية فسد الثاني ضرورة أنه لا يتجزأ [ ص: 304 ] بخلاف النفل لأنه متجزئ عنده . ولنا { قوله صلى الله عليه وسلم بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه ، ومن لم يأكل فليصم } وما رواه محمول على نفي الفضيلة والكمال ، أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل ، [ ص: 305 ] ولأنه يوم صوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بأكثره كالنفل ، وهذا لأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جنبة الوجود بخلاف الصلاة والحج [ ص: 306 ] لأن لهما أركانا فيشترط قرانها بالعقد على أدائهما ، وبخلاف القضاء لأنه يتوقف على صوم ذلك اليوم وهو النفل وبخلاف ما بعد الزوال لأنه لم يوجد اقترانها بالأكثر فترجحت جنبة الفوات ، ثم قال في المختصر : ما بينه وبين الزوال ، وفي الجامع الصغير قبل نصف النهار وهو الأصح ، لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى لا إلى وقت الزوال ، فتشترط النية قبلها لتتحقق في الأكثر ، [ ص: 307 ] ولا فرق بين المسافر والمقيم عندنا ، خلافا لزفر رحمه الله ، لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل [ ص: 308 ] وهذا الضرب من الصوم يتأدى بمطلق النية وبنية النفل وبنية واجب آخر .

وقال الشافعي : في نية النفل عابث ، وفي مطلقها له قولان : لأنه بنية النفل معرض عن الفرض فلا يكون له الفرض . ولنا أن الفرض متعين فيه ، [ ص: 309 ] فيصاب بأصل النية كالمتوحد في الدار يصاب باسم جنسه ، وإذا نوى النفل أو واجبا آخر فقد نوى أصل الصوم وزيادة جهة ، وقد لغت الجهة فبقي الأصل وهو كاف .

التالي السابق


، ولا بد من النية في الكل والكلام في وقتها الذي يعتبر فيه فقلنا في رمضان والمنذور المعين والنفل تجزيه النية من بعد الغروب إلى ما قبل نصف النهار في صوم ذلك النهار وفيما سوى ذلك من القضاء والكفارات ، والمنذور المطلق كنذر صوم يوم من غير تعيين لا بد من وجودها في الليل . وقال الشافعي : لا تجزي في غير النفل إلا من الليل . وقال مالك : لا تجزي إلا من الليل في النفل وغيره . والمصنف ذكر خلاف الشافعي . ( وقوله وجه في الخلافية قوله صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن إلخ ) استدل بالحديث والمعنى . أما الحديث [ ص: 304 ] فما ذكره رواه أصحاب السنن الأربعة ، واختلفوا في لفظه { لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل } يجمع بالتشديد والتخفيف يبيت { ولا صيام لمن لم يفرضه من الليل } رواه ابن ماجه . واختلفوا في رفعه ووقفه ، ولم يروه مالك في الموطإ إلا من كلام ابن عمر وعائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم ، والأكثر على وقفه ، وقد رفعه عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه عن الزهري يبلغ به حفصة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له } ووقفه عنه على حفصة معمر والزبيري وابن عيينة ويونس الأيلي وعبد الله بن أبي بكر ثقة ، والرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة ، ولفظ " يبيت " عند الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام { من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له } .

قال الدارقطني : تفرد به عبد الله بن عباد عن الفضل بهذا الإسناد وكلهم ثقات ، وأقره البيهقي عليه .

ونظر فيه : بأن عبد الله بن عباد غير مشهور ويحيى بن أيوب ليس بالقوي ، وهو من رجاله . وقال ابن حبان : عبد الله بن عباد البصري يقلب الأخبار . قال : روى عنه روح بن الفرج نسخة موضوعة ، وأما المعنى فهو قوله : ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية فيه إذ الفرض اشتراطها في صحة الصوم ، ولم توجد في الأجزاء الأول من النهار فسد الباقي ، وإن وجدت النية فيه ضرورة عدم انقلاب الفاسد صحيحا ، وعدم تجزي الصوم صحة وفسادا ، لا يقال لما لم يتجزأ صحة وفسادا وقد صح ما اقترن بالنية صح الكل ضرورة ذاك لأن المحرم مقدم ، وهذا بخلاف النفل لأنه منجز عندي لأنه مبني على النشاط وقد ينشط في بعض اليوم ، أو نقول : تتوقف الإمساكات في أول اليوم على وجود النية في باقيه في النفل اعتبارا له أخف حالا من الفرض ، حتى جازت صلاته قاعدا وراكبا غير مستقبل القبلة ، بخلاف الفرض ، ثم يدل على هذا الاعتبار ما أخرجه مسلم عن { عائشة قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا : لا ، فقال : إني إذا صائم ، ثم أتى يوما آخر فقلنا : يا رسول الله أهدي لنا حيس ، فقال : أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل } .

( قوله ولنا ) حاصل استدلاله بالنص والقياس على النفل ثم تأويل مرويه بدليل يوجب ذلك ، أما النص فما ذكره وهو مستغرب ، والله أعلم به بل المعروف أنه { شهد عنده برؤية الهلال فأمر [ ص: 305 ] أن ينادى في الناس أن يصوموا غدا } رواه الدارقطني بلفظ صريح فيه ، وما رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال قال الحسن في حديثه يعني رمضان فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا } محتمل لكونه شهد في النهار أو الليل فلا يحتج به ، واستدل الطحاوي بما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع { أنه عليه الصلاة والسلام أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء } .

فيه دليل على أنه كان أمر إيجاب قبل نسخه برمضان ، إذ لا يؤمر من أكل بإمساك بقية اليوم إلا في يوم مفروض الصوم بعينه ابتداء ، بخلاف قضاء رمضان إذا أفطر فيه فعلم أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا أنه يجزيه نيته نهارا ، وهذا بناء على أن عاشوراء كان واجبا ، وقد منعه ابن الجوزي بما في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم فصام الناس } قال : وبدليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء ، ويدفع بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما يكون سمعه سنة تسع أو عشر فيكون ذلك بعد نسخه بإيجاب رمضان ، ويكون المعنى لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه أي فريضته ، وإن كان سمعه قبله فيجوز كونه قبل افتراضه ، ونسخ عاشوراء رمضان في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان يوم عاشوراء يوما يصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان قال : من شاء صامه ومن شاء تركه } وكون لفظ " أمر " مشتركا بين الصيغة الطالبة ندبا وإيجابا ممنوع ، ولو سلم فقولها : فلما فرض رمضان قال : من شاء إلخ : دليل أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع بأن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن بل مسنون فكان باعتبار الوجوب ، وكذا ما تقدم من الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع ، وأمره من أكل بالإمساك فثبت أن الافتراض لا يمنع اعتبار النية مجزئة من النهار شرعا .

ويلزمه عدم [ ص: 306 ] الحكم بفساد الجزء الذي لم يقترن بها في أول النهار من الشارع ، بل اعتباره موقوفا إلى أن يظهر الحال من وجودها بعده أولا فإذا وجدت ظهر اعتباره عبادة لا أنه انقلب صحيحا بعد الحكم بالفساد فبطل ذلك المعنى الذي عينه لقيام ما رويناه دليلا على عدم اعتباره شرعا ، ثم يجب تقديم ما رويناه على مرويه لقوة ما في الصحيحين بالنسبة إلى ما رواه بعد نقلنا فيه من الاختلاف في صحة رفعه فيلزم ، إذ قدم كون المراد به نفي الكمال كما في أمثاله من نحو : لا وضوء لمن لم يسم وغيره كثير ، أو المراد لم ينو كون الصوم من الليل فيكون الجار والمجرور وهو من الليل متعلقا بصيام الثاني لا " بينو " أو يجمع فحاصله : لا صيام لمن لم يقصد أنه صائم من الليل أي من آخر أجزائه فيكون نفيا لصحة الصوم من حين نوى من النهار كما قال به الشافعي .

ولو تنزلنا إلى صحته وكونه لنفي الصحة وجب أن يخص عمومه بما رويناه عندهم مطلقا وعندنا لو كان قطعيا خص بعضه خصص به ، فكيف وقد اجتمع فيه الظنية والتخصيص : إذ قد خص منه النفل ويخص أيضا بالقياس ، ثم الكلام في تعيين أصل ذلك القياس فجعله المصنف النفل ، ويرد عليه أنه قياس مع الفارق ، إذ لا يلزم من التخفيف في النفل بذلك ثبوت مثله في الفرض ، ألا يرى إلى جواز النافلة جالسا بلا عذر ، وعلى الدابة بلا عذر مع عدمه في الفرض ، والحق أن صحته فرع ذلك النص ، فإنه لما ثبت جواز الصوم في الواجب المعين بنية من النهار علم عدم اعتبار فرق بينه وبين النفل في هذا الحكم ، والقياس الذي لا يتوقف على ذلك قياس النية المتأخرة على المتقدمة من أول الغروب بجامع التيسير ودفع الحرج بيانه أن الأصل أن النية لا تصح إلا بالمقارنة أو مقدمة مع عدم اعتراض ما ينافي المنوي بعدها قبل الشروع فيه ، فإنه يقطع اعتبارها على ما قدمناه في شروط الصلاة ، ولم يجب فيما نحن فيه إلا المقارنة وهو ظاهر ، فإنه لو نوى عند الغروب أجزأه ، ولا عدم تخلل المنافي لجواز الصوم بنية يتخلل بينها وبينه الأكل والشرب والجماع مع انتفاء حضورها بعد ذلك إلى انقضاء يوم الصوم ، والمعنى الذي لأجله صحت المتقدمة لذلك التيسير ودفع الحرج [ ص: 307 ] اللازم لو ألزم أحدهما .

وهذا المعنى يقتضي تجويزها من النهار للزوم الحرج لو ألزمت من الليل في كثير من الناس كالذي نسيها ليلا ، وفي حائض طهرت قبل الفجر ولم تعلم إلا بعده ، وهو كثير جدا ، فإن عادتهن وضع الكرسف عشاء ثم النوم ، ثم رفعه بعد الفجر ، وكثير ممن يفعل كذا تصبح فترى الطهر وهو محكوم بثبوته قبل الفجر ، ولذا تلزمها بصلاة العشاء وفي صبي بلغ بعده ومسافر أقام وكافر أسلم فيجب القول بصحتها نهارا ، وتوهم أن مقتضاه قصر الجواز على هؤلاء أو أن هؤلاء لا يكثرون كثرة غيرهم بعيد عن النظر إذ لا يشترط اتحاد كمية المناط في الأصل والفرع ، فلا يلزم ثبوت الحرج في الفرع وهو المتأخرة بقدر ثبوته في الأصل ، وهو المتقدمة بل يكفي ثبوته في جنس الصائمين ، وكيف والواقع أنه لم يعتبر المصحح الحرج الزائد ولا ثبوته في أكثر الصائمين في الأصل ، فكذا يجب في الفرع ، وهذا لأن أكثر الصائمين يكونون مفيقين قريب الفجر فقوم لتهجدهم وقوم لسحورهم ، فلو ألزمت النية قبل الفجر على وجه لا يتخلل المنافي بينها وبينه لم يلزم بذلك حرج في كل الصائمين ولا في أكثرهم ، بل فيمن لا يفيق إلا بعد الفجر وهم قليل بالنسبة إلى غيرهم بخلاف الباقين قبله إذ يمكنهم تأخير النية إلى ما بعد استيفاء الحاجة من الأكل والجماع فتحصل بذلك نية سابقة لم يتخلل بينها وبين الشروع ما ينافي الصوم من غير حرج بهم ، فلما لم يجب علم أن المقصود التيسير بدفع الحرج من كل وجه وعن كل صائم ويلزم المطلوب من شرعيته المتأخرة .

واعلم أن هذا لا يخص المعين ، بل يجري في كل صوم لكن القياس إنما يصلح مخصصا للخبر لا ناسخا ، ولو جرينا على تمام لازم هذا القياس كان ناسخا له إذ لم يبق تحته شيء حينئذ فوجب أن يحاذي به مورد النص ، وهو الواجب المعين من رمضان ونظيره من النذر المعين ، ولا يمكن أن يلغي قيد التعيين في مورد النص الذي رويناه فإنه حينئذ يكون إبطالا لحكم لفظ بلا لفظ ينص فيه فليتأمل وانتظم ما ذكرناه جواب مالك أيضا . فإن قيل : فمن أين اختص اعتبارها بوجودها في أكثر النهار وما رويتم لا يوجبه ؟ قلنا : لما كان ما رويناه واقعة حال لا عموم لها في جميع أجزاء النهار احتمل كون إجازة الصوم في تلك الواقعة لوجود النية فيها في أكثره بأن يكون أمره عليه الصلاة والسلام الأسلمي بالنداء كان الباقي من النهار أكثره ، واحتمل كونها للتجويز من النهار مطلقا في الواجب ، فقلنا بالاحتمال الأول لأنه أحوط خصوصا ، ومعناه نص يمنعها من النهار مطلقا وعضده المعنى ، وهو أن للأكثر من الشيء الواحد حكم الكل في كثير من موارد الفقه ، فعلى اعتبار هذا يلزم اعتبار كل النهار بلا نية لو اكتفى بها في أقله ، فوجب الاعتبار الآخر ، وإنما اختص بالصوم فلم يجز مثله في الحج والصلاة لأنه ركن واحد ممتد فبالوجود في أكثره يعتبر قيامها في كله بخلافهما ، فإنهما أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائهما .

وإلا خلت بعض الأركان عنها فلم يقع ذلك الركن عبادة ، والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله .

( قوله خلافا لزفر ) فإنه يقول : لا يجوز رمضان من المسافر والمريض إلا بنية من الليل لأنه في حقهما كالقضاء [ ص: 308 ] لعدم تعينه عليهما . قلنا لا تفصيل فيما ذكرنا في الواجب المعين ، ثم هما إنما خولف بهما الغير شرعا في التخفيف لا التغليظ ، وصوم رمضان متعين بنفسه على الكل غير أنه جاز لهما تأخيره تخفيفا للرخصة ، فإذا صاما وتركا الترخيص التحقا بالمقيم .

( قوله وهذا الضرب ) أي ما يتعلق بزمان من الواجب ( يتأدى بمطلق النية وبنية النفل وبنية واجب آخر ) وهذا الإطلاق لا يتم في المنذور المعين ، فإنه يتأدى بالنية المطلقة وبنية النفل ، أما لو نوى واجبا آخر ككفارة يقع عما نوى ، وعلل بأن تعيين الناذر اليوم يعتبر في إبطال محليته لحق له وهو النفل لا محليته في حق حق عليه لأن ولايته لا تتجاوز حقه ، وأورد عليه : بأن التعيين بإذن صاحب الحق وهو الشارع فينبغي أن يتعدى إلى حقه لإذنه بإلزامه على نفسه ، وأجيب بأنه أذن مقتصرا على أن يتصرف في حق نفسه أعني العبد ، وأورد لما لم يتعد إلى حق صاحب الشرع بقي محتملا لصوم القضاء والكفارة فينبغي أن يشترط التعيين ، ولا يتأدى بإطلاق النية كالظهر عند ضيق الوقت .

وأجيب بأن صوم القضاء والكفارة من محتملات الوقت ، وأصل المشروع فيه النفل الذي صار واجبا بالنذر ، وهو واحد فينصرف المطلق إليه ، وكذا نية النفل بخلاف الظهر المضيق فإن تعيين الوقت يعارض التقصير بتأخير الأداء فلا يتعين الوقت بعده له بعدما كان غير متعين له [ ص: 309 ] قوله كالمتوحد في الدار ينال باسم جنسه ) علم من وجه قول الشافعي في اشتراط تعيين النية أن الثابت عن الشارع تعيين المحل وهو الزمان لقبول المشروع المعين ، ولازمه نفي صحة غيره ، وهذا لا يستلزم نفي لزوم التعيين عن المكلف ، لأن إلزام التعيين ليس لتعيين المشروع للمحل بل ليثبت الواجب عن اختيار منه في أدائه لا جبرا .

وتعين المحل شرعا ليس علة لاختيار المكلف ونية مطلق الصوم كذلك قولكم ، المتوحد ينال باسم جنسه كزيد ينادى بيا حيوان ويا رجل ، قلنا : إن أراد بقوله : يا حيوان زيدا مثلا فهو صحيح ، وليس نظره إلا أن يريد بمطلق الصوم الذي هو متعلق النية صوم رمضان ، وحينئذ ليس هو محل النزاع لأنه قصد صوم رمضان بذلك ، وإن لم يرده بعينه به بل أراد فردا ينطلق عليه الاسم لم يخطر بخاطره سوى ذلك ، كما هو حقيقة إرادة المطلق مثل قول الأعمى : يا رجلا خذ بيدي ، فليس هو إرادة ذلك المتعين ، فإنه لم يقصد ، بل ما يطلق عليه الاسم سواء كان ذلك أو غيره ، فلزوم ثبوت ذلك بعينه يكون لا عن قصد إليه إذ الفرض أنه لم يقصد بعينه فيكون حينئذ جبرا .

لكن لا بد في أداء الفرض من الاختيار ، واختيار الأعم ليس اختيار الأخص بخصوصه ، وإذا بطل في المطلق بطل في إرادة النفل وواجب آخر ، لأن الصحة بهما إنما هي باعتبار الصحة بالمطلق بناء على لغو الزائد عليه فيبقى هو به يتأدى ، بل البطلان هنا أولى لأنه يمكن اعتبار قصد المتعين بقصد الأعم من جهة أنه قصد ما ينطلق عليه الاسم ، وهو منها بخلاف هذا إذا لم يتعلق به قصد تعيين ذلك المعين ، ثم اعتبار ذلك المطلق الذي في ضمنه بعدما لغا مصابا به ذلك المعين مع تصريحه بأني لم أرد المطلق بل الكائن بقيد كذا جبر على إيقاعه ، وهو النافي للصحة ، فكيف يسقط صوم رمضان وهو ينادي ويقول : لم أرده بل صوم كذا وأردت عدمه ، فإنه مع إرادة عدمه إذا أراد صوما آخر يقع عن رمضان عندكم .




الخدمات العلمية