الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن ذرعه القيء لم يفطر ) [ ص: 334 ] لقوله صلى الله عليه وسلم { من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء } ويستوي فيه ملء الفم فما دونه فلو عاد وكان ملء الفم فسد عند أبي يوسف رحمه الله لأنه خارج حتى انتقض به الطهارة وقد دخل [ ص: 335 ] وعند محمد لا يفسد لأنه لم توجد صورة الفطر وهو الابتلاع وكذا معناه لأنه لا يتغذى به عادة ، إن أعاده فسد بالإجماع لوجود الإدخال بعد الخروج فتتحقق صورة الفطر . وإن كان أقل من ملء الفم فعاد لم يفسد صومه لأنه غير خارج ولا صنع له في الإدخال ، وإن أعاده فكذلك عند أبي يوسف لعدم الخروج ، وعند محمد رحمه الله يفسد صومه لوجود الصنع منه في الإدخال ( فإن استقاء عمدا ملء فيه فعليه القضاء ) لما روينا والقياس متروك به ولا كفارة عليه لعدم الصورة وإن كان أقل من ملء الفم فكذلك عند محمد رحمه الله لإطلاق الحديث ، وعند أبي يوسف رحمه الله لا يفسد لعدم الخروج حكما ثم إن عاد لم يفسد عنده لعدم سبق الخروج ، وإن أعاده فعنه : أنه لا يفسد لما ذكرنا ، [ ص: 336 ] وعنه : أنه يفسد فألحقه بملء الفم لكثرة الصنع .

التالي السابق


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام ) أخرج أصحاب السنن الأربعة واللفظ للترمذي عنه عليه الصلاة والسلام { من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض } .

وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس . وقال البخاري : لا أراه محفوظا لهذا ، يعني للغرابة ولا يقدح في ذلك بعد تصديقه الراوي فإنه هو الشاذ المقبول وقد صححه الحاكم وكل على شرط الشيخين وابن حبان ورواه الدارقطني .

وقال : رواته كلهم ثقات ، ثم قد تابع عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن حفص بن غياث رواه ابن ماجه .

ورواه الحاكم ، وسكت عليه ورواه مالك في الموطأ موقوفا على ابن عمر . ورواه النسائي من حديث الأوزاعي موقوفا على أبي هريرة ، وقفه عبد الرزاق على أبي هريرة وعلي أيضا .

وما روي في سنن ابن ماجه { أنه عليه الصلاة والسلام خرج في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب ، فقلنا : يا رسول الله إن هذا يوم كنت تصوم ، قال : أجل ولكني قئت } محمول على ما قبل الشروع أو عروض الضعف ، ثم الجمع بين آثار الفطر مما دخل وبين آثار القيء أن في القيء يتحقق رجوع شيء مما يخرج وإن قل فلاعتباره يفطر وفيما إذا ذرعه إن تحقق ذلك أيضا لكن لا صنع له فيه ولا لغيره من العباد فكان كالنسيان لا الإكراه والخطأ ( قوله فلو عاد ) أي القيء الذي ذرعه .

وجملته أنه إما إن ذرعه القيء أو استقاء وكل منهما إما ملء الفم أو دونه . والكل إما أن خرج أو عاد أو أعاده ، فإن ذرعه وخرج لا يفطر قل أو كثر لإطلاق ما روينا وإن عاد بنفسه وهو ذاكر للصوم إن كان ملء الفم فسد صومه عند أبي يوسف لأنه خارج شرعا حتى انتقضت به الطهارة وقد دخل ، وعند محمد لا يفسد ، وهو الصحيح لأنه لم توجد صورة الإفطار وهو الابتلاع ولا معناه إذ لا يتغذى به .

فأصل أبي يوسف في العود والإعادة اعتبار الخروج وهو بملء الفم ، وأصل محمد فيه الإعادة قل أو كثر وإن أعاد فسد بالاتفاق عند أبي يوسف للدخول بعد تحقق الخروج شرعا ، وعند محمد للصنع وإن كان أقل من ملء الفم فعاد لم يفسد بالاتفاق وإن أعاده لم يفسد عند أبي يوسف رحمه الله . وهو المختار ، لعدم الخروج شرعا ، ويفسد عند محمد لوجود الصنع ، وإن استقاء عمدا [ ص: 335 ] وخرج إن كان ملء الفم فسد صومه بالإجماع لما روينا ولا يتأتى فيه تفريع العود والإعادة لأنه أفطر بمجرد القيء قبلهما ، وإن كان أقل من ملء فيه أفطر عند محمد لإطلاق ما رويناه ولا يتأتى فيه التفريع أيضا عنده ، ولا يفطر عند أبي يوسف وهو المختار عند بعضهم .

لكن ظاهر الرواية كقول محمد ذكره في الكافي ، ثم إن عاد بنفسه لم يفطر عند أبي يوسف فلا يتحقق الدخول لعدم الخروج ، وإن أعاده فعنه روايتان : في رواية لا يفطر لعدم الخروج . وفي رواية يفطر لكثرة الصنع ، وزفر مع محمد في أن قليله يفسد الصوم جريا على أصله في انتقاض الطهارة بقليله ( قوله : وعند محمد لا يفسد ) ذكرنا أنه الصحيح ( قوله عادة ) قيد به لأنه مما يتغذى به فإنه بحسب الأصل مطعوم ، فإذا استقر في المعدة يحصل به التغذي ، بخلاف الحصى ونحوه ، لكنه لم يعتد فيه ذلك لعدم الحل ونفور الطبع ( قوله : فكذلك عند أبي يوسف ) تقدم أنه المصحح ( قوله فإن استقاء عمدا ) قيد به ليخرج ما إذا استقى ناسيا لصومه فإنه لا يفسد به كغيره من المفطرات ( قوله : وعند أبي يوسف لا يفسد ) صححه في شرح الكنز ، وعلمت أنه خلاف ظاهر الرواية : أعني من حيث الإطلاق فيها ، وهذا كله إذا كان القيء طعاما أو ماء أو مرة ، فإن كان بلغما غير مفسد للصوم عند أبي حنيفة ومحمد ، خلافا لأبي يوسف إذا ملأ الفم بناء على قوله إنه ناقض . ويظهر أن قوله هنا أحسن من قولهما بخلاف نقض الطهارة ، وذلك لأن الإفطار إنما نيط بما يدخل أو بالقيء عمدا ، إما نظرا إلى أنه يستلزم عادة دخول شيء أو لا باعتباره بل ابتداء شرع تفطيره بشيء آخر من غير أن يلحظ فيه تحقق كونه خارجا نجسا أو طاهرا ، فلا فرق بين البلغم وغيره حينئذ ، بخلاف نقض الطهارة ، ولو استقاء مرارا في مجلس ملء فيه لزمه القضاء وإن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية لا يلزمه ، كذا [ ص: 336 ] نقل من خزانة الأكمل .




الخدمات العلمية