الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم هو واجب على الفور عند أبي يوسف رحمه الله . وعن أبي حنيفة رحمه الله ما يدل عليه [ ص: 412 - 413 ] وعند محمد والشافعي رحمهما الله على التراخي لأنه وظيفة العمر فكان العمر فيه كالوقت في الصلاة . وجه الأول أنه يخص بوقت خاص ، والموت في سنة واحدة غير نادر فيتضيق احتياطا ولهذا كان التعجيل أفضل ، بخلاف وقت الصلاة لأن الموت في مثله نادر .

التالي السابق


( قوله وعن أبي حنيفة رحمه الله ما يدل عليه ) وهو أنه سئل عمن ملك ما يبلغه إلى بيت الله تعالى أيحج أم يتزوج ؟ فقال : يحج ، فإطلاق الجواب بتقديم الحج مع أن التزوج قد يكون واجبا في بعض الأحوال دليل على أن الحج لا يجوز تأخيره ، وهو قول أبي يوسف .

وذكر المصنف في التجنيس : أنه إذا [ ص: 412 - 413 ] كان له مال يكفي للحج وليس له مسكن ولا خادم أو خاف العزوبة فأراد أن يتزوج ويصرف الدراهم إلى ذلك ، إن كان قبل خروج أهل بلده إلى الحج يجوز لأنه لم يجب الأداء بعد ، وإن كان وقت الخروج فليس له ذلك لأنه قد وجب عليه ا هـ .

ولا يخفى أن المنقول عن أبي حنيفة مطلق ، فإن كان الواقع وقوع السؤال في غير أوان الخروج فهو خلاف ما في التجنيس وإلا فلا يفيد الاستشهاد المقصود ، ثم على ما أورده المصنف يأثم بالتأخير عن أول سني الإمكان ، فلو حج بعده ارتفع الإثم ووقع أداء ، وعند محمد هو على التراخي ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، فلا يأثم إذا حج قبل موته ، فإن مات بعد الإمكان ولم يحج ظهر أنه آثم ، وقيل : لا يأثم .

وقيل : إن خاف الفوت بأن ظهرت له مخايل الموت في قلبه فأخره حتى مات أثم ، وإن فجأه الموت لا يأثم ، وصحة الأول غنية عن الوجه . وعلى اعتباره قيل يظهر الإثم من السنة الأولى ، وقيل الأخيرة ، وقيل من سنة رأى في نفسه الضعف ، وقيل يأثم في الجملة غير محكوم بمعين بل علمه إلى الله تعالى ، وقد استدل على الفور بالمنقول والمعنى ، فالأول حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري { من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل } وهذا بناء على أن لفظة قابل متعارف في السنة الآتية التي تلي هذه السنة ، وإلا فهو أعم من ذلك فلا دليل فيه .

والثاني : هو أن الحج لا يجوز إلا في وقت معين واحد في السنة ، والموت في سنة غير نادر فتأخيره بعد التمكن في وقته [ ص: 414 ] تعريض له على الفوات فلا يجوز ، ولذا يفسق بتأخيره ويأثم وترد شهادته ، فحقيقة دليل وجوب الفور هو الاحتياط فلا يدفعه أن مقتضى الأمر المطلق جواز التأخير بشرط أن لا يخلى العمر عنه ، وأنه عليه الصلاة والسلام حج سنة عشر ، وفرضية الحج كانت سنة تسع ، فبعث أبا بكر رضي الله عنه حج بالناس فيها ولم يحج هو إلى القابلة ، أو فرض سنة خمس ، على ما روى الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه { بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له عليه الصلاة والسلام فرائض الإسلام : الصلاة والصوم والحج } .

قال ابن الجوزي : وقد رواه شريك بن أبي نمر عن كريب فقال : فيه { بعثت بنو سعد ضماما وافدا في شهر رجب سنة خمس فذكر له صلى الله عليه وسلم فرائض الإسلام : الصلاة ، والصوم ، والحج ، أو سنة ست } فإن تأخيره عليه الصلاة والسلام ليس يتحقق فيه تعريض الفوات وهو الموجب للفور لأنه كان يعلم أنه يعيش حتى يحج ويعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ ، وليس مقتضى الأمر المطلق جواز التأخير ولا الفور حتى يعارضه موجب الفور وهو هذا المعنى فلا يقوى قوته ، بل مجرد طلب المأمور به فيبقى كل من الفور والتأخير على الإباحة الأصلية ، وذلك الاحتياط يخرج عنها ، على أن حديث ابن عباس رضي الله عنه قد رواه أحمد وليس فيه ذكر تاريخ ، وأما بالتاريخ المذكور فإنما وجدت معضلة في ابن الجوزي ، وقد رواه شريك بن أبي نمر عن كريب فقال فيه : وذكر ما قدمناه .

قال صاحب التنقيح : لا أعرف لها سندا ، والذي نزل سنة ست قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } وهو افتراض الإتمام ، وإنما يتعلق بمن شرع فيهما . فتلخص من هذا أن الفورية واجبة ، والحج مطلقا هو الفرض فيقع أداء إذا أخره ويأثم بترك الواجب على نظير ما قدمناه في الزكاة سواء ، فارجع إليه وقس به




الخدمات العلمية