الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد فابتدأ بالحجر فاستقبله وكبر وهلل } ( ويرفع يديه ) لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 449 ] { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن وذكر من جملتها استلام الحجر } قال ( واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه } [ ص: 450 ] " وقال لعمر رضي الله عنه : إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر ، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر " . ولأن الاستلام سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب .

التالي السابق


( قوله ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل لما روي إلخ ) أما الابتداء بالحجر ففي حديث جابر الطويل المتقدم ما يدل عليه فارجع إليه ، ولأنه لما كان أول ما يبدأ به الداخل الطواف لما قدمناه من قريب لزم أن يبدأ الداخل بالركن لأنه مفتتح الطواف .

قالوا : أول ما يبدأ به داخل المسجد محرما كان أو لا الطواف لا الصلاة ، اللهم إلا إن دخل في وقت منع الناس من الطواف أو كان عليه فائتة مكتوبة أو خاف فوت المكتوبة أو الوتر أو سنة راتبة ، أو فوت الجماعة في المكتوبة فيقدم كل ذلك على الطواف ثم يطوف ، فإن كان حلالا فطواف تحية أو محرما بالحج فطواف القدوم وهو أيضا تحية إلا أنه خص بهذه الإضافة ، هذا إن دخل قبل يوم النحر ، فإن دخل فيه فطواف الفرض يغني كالبداءة بصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد أو بالعمرة فبطواف العمرة ، ولا يسن في حقه طواف القدوم ، وأما التكبير والتهليل ففي مسند أحمد رحمه الله عن سعيد بن المسيب عن عمر " أنه عليه الصلاة والسلام قال له : إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهلل " .

وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما { أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر } وعند أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ورمل } وقال الواقدي : حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن سالم بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى الركن استلمه وهو مضطبع بردائه وقال : باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به محمد } .

ومن المأثور عند الاستلام اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، لا إله إلا الله والله أكبر اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقلني عثرتي وارحم تضرعي وجد لي بمغفرتك وأعذني من مضلات الفتن ( قوله ويرفع يديه ) يعني عند التكبير لافتتاح الطواف ( لقوله عليه الصلاة والسلام : [ ص: 449 ] { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن } ) تقدم في الصلاة ، وليس فيه استلام الحجر ويمكن أن يلحق بقياس الشبه لا العلة ، ويكون باطنهما في هذا الرفع إلى الحجر كهيئتهما في افتتاح الصلاة ، وكذا يفعل في كل شوط إذا لم يستلمه ( قوله واستلمه ) يعني بعد الرفع للافتتاح والتكبير والتهليل يستلمه .

وكيفيته أن يضع يده على الحجر ويقبله لما في الصحيحين { أن عمر رضي الله عنه جاء إلى الحجر فقبله . وقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك }

وروى الحاكم حديث عمر رضي الله عنه وزاد فيه " فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بلى يا أمير المؤمنين يضر وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لقلت إنه كما أقول : قال الله تعالى { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر ، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافاه فهو أمين الله تعالى في هذا الكتاب ، فقال له عمر رضي الله عنه : لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن " وقال : ليس هذا الحديث على شرط الشيخين فإنهما لم يحتجا بأبي هارون العبدي .

ومن غرائب المتون ما في ابن أبي شيبة في آخر مسند أبي بكر رضي الله عنه عن { رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ثم قبله ، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فوقف عند الحجر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك } فليراجع إسناده ، فإن صح يحكم ببطلان حديث الحاكم لبعد أن يصدر هذا الجواب عن علي رضي الله عنه ، أعني قوله بل يضر وينفع بعدما قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يضر ولا ينفع } لأنه صورة معارضة ، لا جرم أن الذهبي قال في مختصره عن العبدي إنه ساقط ، وعمر رضي الله عنه إنما قال ذلك أو النبي صلى الله عليه وسلم إزالة لوهم الجاهلية من اعتقاد الحجارة التي هي الأصنام ، ثم هذا التقبيل لا يكون له صوت .

وهل يستحب السجود على الحجر عقيب التقبيل ؟ فعن ابن عباس رضي الله عنهما [ ص: 450 ] أنه كان يقبله ويسجد عليه بجبهته . وقال " رأيت عمر رضي الله عنه قبله ثم سجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ففعلته " رواه ابن المنذر والحاكم وصححه .

وما رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر } وصححه يحمل على أنه مرسل صحابي لما صرح من توسط عمر ، إلا أن الشيخ قوام الدين الكاكي قال : وعندنا الأولى أن لا يسجد لعدم الرواية في المشاهير ، ونقل السجود عن أصحابنا الشيخ عز الدين في مناسكه ( قوله وقال لعمر ) في رواية لابن ماجه عن ابن عمر قال { استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال يا عمر هاهنا تسكب العبرات }




الخدمات العلمية