الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه إلى منى ويستعين بالمسبحة . ومقدار الرمي أن يكون بين الرامي وبين موضع السقوط خمسة أذرع فصاعدا ، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لأن ما دون ذلك يكون طرحا . ولو طرحها طرحا أجزأه لأنه رمى إلى قدميه إلا أنه مسيء لمخالفته السنة ، ولو وضعها وضعا لم يجزه لأنه ليس برمي ، ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة يكفيه لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه ، ولو وقعت بعيدا منها لا يجزيه لأنه لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص .

التالي السابق


( قوله ثم كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه ويستعين بالمسبحة ) هذا التفسير يحتمل كلا من تفسيرين قيل بهما : أحدهما أن يضع طرف إبهامه إلى منى على وسط السبابة ويضع الحصاة على ظهر الإبهام كأنه عاقد سبعين فيرميها وعرف منه أن المسنون في كون الرمي باليد اليمنى .

والآخر أن يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة ، وهذا في التمكن من الرمي به مع الزحمة والوهجة عسر . وقيل : يأخذها بطرفي إبهامه وسبابته ، وهذا هو الأصل لأنه أيسر والمعتاد ، ولم يقم دليل على أولوية تلك الكيفية سوى قوله عليه الصلاة والسلام { فارموا مثل حصى الخذف } وهذا لا يستلزم كون كيفية الرمي المطلوبة كيفية الخذف ، وإنما هو تعيين ضابط مقدار الحصاة إذا كان مقدار ما يخذف به معلوما لهم .

وأما ما زاد في رواية صحيح مسلم بعد قوله { عليكم بحصى الخذف } من قوله ويشير بيده كما يخذف الإنسان : يعني عند ما نطق بقوله { عليكم بحصى الخذف } أشار بصورة الخذف بيده ، فليس يستلزم طلب كون الرمي بصورة الخذف لجواز كونه ليؤكد كون المطلوب حصى الخذف كأنه قال : خذوا حصى الخذف الذي هو هكذا ليشير أنه لا تجوز في كونه حصى الخذف ، وهذا لأنه لا يعقل في خصوص وضع الحصاة في اليد على هذه الهيئة وجه قربة ، فالظاهر أنه لا يتعلق به غرض شرعي بل بمجرد صغر الحصاة .

ولو أمكن أن يقال فيه إشارة إلى كون الرمي خذفا عارضه كونه وضعا غير متمكن واليوم يوم زحمة يوجب نفي غير المتمكن ( قوله ولو طرحها طرحا أجزأه ) يفيد أن المروي عن الحسن تعيين الأولى ، وأن مسمى الرمي لا ينتفي في الطرح رأسا بل إنما فيه معه قصور فتثبت الإساءة به ، بخلاف وضع الحصاة وضعا فإنه لا يجزي لانتفاء حقيقة الرمي بالكلية ( قوله ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة ) قدر ذراع ونحوه ، ومنهم من لم يقدره كأنه اعتمد على اعتبار القرب عرفا وضده البعد في العرف ، فما كان مثله يعد بعيدا عرفا لا يجوز ، وهذا بناء على أنه لا واسطة بين البعيد والقريب ، حتى إن ما ليس بعيدا فهو قريب وما ليس قريبا فهو البعيد ولعله غير لازم ، إذ قد يكون الشيء من الشيء بحيث يقال فيه ليس بقريب منه ولا بعيد ، والظاهر على هذا التعويل على القرب وعدمه ، فما ليس بقريب لا يجوز لا على القرب والبعد .

ولو وقعت على ظهر رجل أو محمل وثبتت عليه حتى طرحها الحامل كان عليه إعادتها ، ولو وقعت عليه فنبت عنه ووقعت عند الجمرة بنفسها أجزأه ، ومقام الرامي بحيث يرى موقع حصاه . وما قدر به بخمسة أذرع في رواية الحسن فذاك تقدير أقل ما يكون بينه وبين المكان في المسنون ، ألا ترى إلى تعليله في الكتاب بقوله لأن ما دون ذلك يكون طرحا




الخدمات العلمية