الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو رمى بسبع حصيات جملة فهذه واحدة لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال ، ويأخذ الحصى من أي موضع شاء إلا من عند الجمرة فإن ذاك يكره لأن ما عندها من الحصى مردود ، هكذا جاء في الأثر فيتشاءم به [ ص: 488 ] ومع هذا لو فعل أجزأه لوجود فعل الرمي . ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض عندنا خلافا للشافعي رحمه الله ، لأن المقصود فعل الرمي وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر ، بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة لأنه يسمى نثارا لا رميا .

التالي السابق


( قوله ولو رمى بسبع جملة فهي واحدة ) فيلزمه ست سواها والسابع وأكثر منها واحد ( قوله ويأخذ الحصى من أي موضع شاء إلا من عند الجمرة فإنه يكره ) يتضمن خلاف ما قيل إنه يلتقطها من الجبل الذي على الطريق من [ ص: 488 ] مزدلفة ، قال بعضهم : جرى التوارث بذلك ، وما قيل يأخذها من المزدلفة سبعا رمى جمرة العقبة في اليوم الأول فقط فأفاد أنه لا سنة في ذلك يوجب خلافها الإساءة ، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذها من جمع ، بخلاف موضع الرمي لأن السلف كرهوه لأنه المردود .

وقوله وبه ورد الأثر كأنه ما عن سعيد بن جبير .

قلت لابن عباس رضي الله عنهما : ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل عليه الصلاة والسلام ولم تصر هضابا تسد الأفق ؟ فقال : أما علمت أن من تقبل حجه رفع حصاه ومن لم يقبل ترك حصاه ؟ قال مجاهد : لما سمعت هذا من ابن عباس رضي الله عنه جعلت على حصياتي علامة ، ثم توسطت الجمرة فرميت من كل جانب ثم طلبت فلم أجد بتلك العلامة شيئا ( قوله ومع هذا لو فعل ) وأخذها من موضع الرمي ( أجزأه ) مع الكراهة وما هي إلا كراهة تنزيه . ويكره أن يلتقط حجرا واحدا فيكسر سبعين حجرا صغيرا كما يفعله كثير من الناس اليوم ، ويستحب أن يغسل الحصيات قيل أن يرميها ليتيقن طهارتها فإنه يقام بها قربة ، ولو رمى بمتنجسة بيقين كره وأجزأه ( قوله ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض ) كالحجر والطين والنورة والكحل والكبريت والزرنيخ وكف من تراب .

وظاهر إطلاقه جواز الرمي بالفيروزج والياقوت لأنهما من أجزاء الأرض ، وفيهما خلاف منعه الشارحون وغيرهم بناء على أن كون المرمي به يكون الرمي به استهانة شرط ، وأجازه بعضهم بناء على نفي ذلك الاشتراط وممن ذكر جوازه الفارسي في مناسكه .

وقوله بخلاف ما لو رمى بالذهب والفضة لأنه يسمى نثارا لا رميا جواب عن مقدر من جهة الشافعي : لو تم ما ذكرتم في تجويز الطين من كون الثابت معه فعل الرمي وهو المقصود من غير نظر إلى ما به الرمي لجاز بالذهب والفضة ، بل وبما ليس من أجزاء الأرض كاللؤلؤ والمرجان والجوهر والعنبر والكل ممنوع عندكم . فأجاب بأنه بالذهب والفضة يسمى نثارا لا رميا فلم يجز لانتفاء مسمى الرمي . ولا يخفى أنه يصدق [ ص: 489 ] اسم الرمي مع كونه يسمى نثارا ، فغاية ما فيه أنه رمي خص باسم آخر باعتبار خصوص متعلقه ، ولا تأثير لذلك في سقوط اسم الرمي عنه ولا صورته .

وأيضا فهو جواب قاصر إذ لا يعم ما ذكرنا مما ليس من أجزاء الأرض ، اللهم إلا أن يدعي ثبوت اسم النثار أيضا فيما باللؤلؤ والعنبر أيضا وهو غير بعيد ، وحينئذ يكون فيه ما ذكرنا من أنه يصدق اسم إلخ ، ولو غير أصل الجواب إلى اشتراط الاستهانة اندفع الكل لكنه يطالب بدليل اعتباره ، وليس فيه سوى ثبوت فعله عليه الصلاة والسلام بالحجر إذ لا إجماع فيه ، وهو لا يستلزم بمجرده التعيين كرميه من أسفل الجمرة لا من أعلاها وغيره ، ولو استلزمه تعين الحجر وهو مطلوب الخصم ، ثم لو تم نظر إلى ما أثر من أن الرمي رغما للشيطان إذ أصله رمي نبي الله عند الجمار لما عرض له عندها للإغواء بالمخالفة استلزم جواز الرمي بمثل الخشبة والرثة والبعرة وهو ممنوع ، على أن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها .

والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي أو مع الاستهانة أو خصوص ما وقع منه عليه الصلاة والسلام

والأول يستلزم الجواز بالجواهر ،

والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها

والثالث بالحجر خصوصا ، فليكن هذا أولى لكونه أسلم والأصل في أعمال هذه المواطن إلا ما قام دليل على عدم تعينه كما في الرمي أسفل الجمرة مما ذكرنا




الخدمات العلمية