الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ثم دخل مكة وطاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها وهذا طواف الصدر ) ويسمى طواف الوداع وطواف آخر عهده بالبيت لأنه يودع البيت ويصدر به [ ص: 504 ] ( وهو واجب عندنا ) خلافا للشافعي ، لقوله صلى الله عليه وسلم { من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف } ورخص للنساء الحيض تركه . قال ( إلا على أهل مكة ) لأنهم لا يصدرون ولا يودعون ، ولا رمل فيه لما بينا أنه شرع مرة واحدة . ويصلي ركعتي الطواف بعده لما قدمنا

التالي السابق


( قوله لأنه يودع البيت ) ولهذا كان المستحب أن يجعله آخر طوافه . وفي الكافي للحاكم : ولا بأس بأن يقيم بعد ذلك ما شاء ، ولكن الأفضل من ذلك أن يكون طوافه حين يخرج .

وعن أبي يوسف والحسن : إذا اشتغل بعده بعمل بمكة يعيده لأنه للصدر ، وإنما يعتد به إذا فعله حين يصدر . وأجيب بأنه إنما قدم مكة للنسك ، فحين تم فراغه منه جاء أوان الصدر فطوافه حينئذ يكون له إذا الحال أنه على عزم الرجوع .

نعم روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه : إذا طاف للصدر ثم أقام إلى العشاء قال : أحب إلي أن يطوف طوافا آخر كي لا يكون بين طوافه ونفره حائل ، لكن هذا على وجه الاستحباب تحصيلا لمفهوم الاسم عقيب ما أضيف إليه ، وليس ذلك بحتم إذ لا يستغرب في العرف تأخير السفر عن الوداع بل قد يكون ذلك . والحاصل أن المستحب فيه أن يوقع عند إرادة السفر ، وأما وقته على التعيين فأوله بعد طواف الزيارة إذا كان على عزم السفر ، حتى لو طاف لذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولو سنة ولم ينو الإقامة بها ولم يتخذها دارا جاز طوافه ولا آخر له وهو مقيم ، بل لو أقام عاما لا ينوي الإقامة فله أن يطوفه ويقع أداء .

ولو نفر ولم يطف يجب عليه أن يرجع فيطوفه ما لم يجاوز المواقيت بغير إحرام جديد ، فإن جاوزها لم يجب الرجوع عينا ، بل إما أن يمضي وعليه دم ، وإما أن يرجع فيرجع بإحرام جديد لأن الميقات لا يجاوز بلا إحرام فيحرم بعمرة ، فإذا رجع ابتدأ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر ولا شيء عليه لتأخيره [ ص: 504 ] وقالوا : الأولى أن لا يرجع ويريق دما لأنه أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع ضرر التزام الإحرام ومشقة الطريق ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام ) أخرج الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام { من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت ، إلا الحيض فرخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال حسن صحيح .

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما { أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض } لا يقال : أمر ندب بقرينة المعنى وهو أن المقصود الوداع . لأنا نقول : ليس هذا يصلح صارفا عن الوجوب لجواز أن يطلب حتما لما في عدمه من شائبة عدم التأسف على الفراق ، وشبه عدم المبالاة به على أن معنى الوداع ليس مذكورا في النصوص ، بل أن يجعل آخر عهدهم بالطواف فيجوز أن يكون معلولا بغيره مما لم نقف عليه ، ولو سلم فإنما تعتبر دلالة القرينة إذا لم يفقها ما يقتضي خلاف مقتضاها ، وهنا كذلك فإن لفظ الترخيص يفيد أنه حتم في حق من لم يرخص له لأن معنى عدم الترخيص في الشيء هو تحتيم طلبه إذ الترخيص فيه هو إطلاق تركه فعدمه عدم إطلاق تركه ، ومما يفيد أيضا أن الأمر على حقيقته من الوجوب ما وقع في صحيح مسلم { كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } فهذا النهي وقع مؤكدا بالنون الثقيلة ، وهو يؤكد موضوع اللفظ ، والله سبحانه أعلم ( قوله وليس على أهل مكة ) ومن كان داخل الميقات وكذا من اتخذ مكة دارا ثم بدا له الخروج ليس عليهم طواف صدر ، وكذا فائت الحج لأن العود مستحق عليه ، ولأنه صار كالمعتمر ، وليس على المعتمر طواف الصدر ذكره في التحفة .

وفي إثباته على المعتمر حديث ضعيف رواه الترمذي . وفي البدائع قال أبو يوسف رحمه الله : أحب إلي أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج ، وهذا المعنى يوجد في أهلمكة . وفصل فيمن اتخذ مكة دارا بين إن نوى الإقامة بها قبل أن يحل النفر الأول فلا طواف عليه للصدر ، وإن نواه بعده لا يسقط عنه في قول أبي حنيفة . وقال [ ص: 505 ] أبو يوسف : يسقط عنه في الحالين إلا إذا كان شرع فيه




الخدمات العلمية