الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا رمى الجمرة يوم النحر ذبح شاة أو بقرة أو بدنة أو سبع بدنة فهذا دم القران ) لأنه في معنى المتعة والهدي منصوص عليه فيها ، والهدي من الإبل والبقر والغنم على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، وأراد بالبدنة هاهنا البعير وإن كان اسم البدنة يقع عليه وعلى البقرة على ما ذكرنا ، وكما يجوز سبع البعير يجوز سبع البقرة ( فإذا لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة [ ص: 530 ] وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله ) لقوله تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } فالنص وإن ورد في التمتع فالقران مثله لأنه مرتفق بأداء النسكين .

والمراد بالحج والله أعلم وقته لأن نفسه لا يصلح ظرفا ، إلا أن الأفضل أن يصوم قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة لأن الصوم بدل عن الهدي فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل ( وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز ) ومعناه بعد مضي أيام التشريق لأن الصوم فيها منهي عنه . وقال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يجوز لأنه معلق بالرجوع ، إلا أن ينوي المقام فحينئذ يجزيه لتعذر الرجوع . ولنا أن معناه رجعتم عن الحج : أي فرغتم ، إذ الفراغ سبب الرجوع إلى أهله فكان الأداء بعد السبب فيجوز

التالي السابق


( قوله لأنه في معنى المتعة والهدي منصوص عليه فيها ) فيلحق بها فيه دلالة لأن وجوبه في المتعة لشكر نعمة إطلاق الترفق بهما في وقت الحج بشرطه على ما نذكر ، وعلى ما هو الحق مما قررناه إيجاب الهدي بالنص في المتعة إيجاب في القران وغيره ، وهو المسمى بالمتعة عرفا ، ويجب الدم بعد الرمي قبل الحلق . فإن حلق قبله لزمه دم عند أبي حنيفة رحمه الله ( قوله فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام إلخ ) شرط إجزائها وجود الإحرام بالعمرة في أشهر الحج وإن كان في شوال ، وكلما أخرها إلى آخر وقتها فهو أفضل لرجاء أن يدرك الهدي ، ولذا كان الأفضل أن يجعلها السابع من ذي الحجة ويوم التروية ويوم عرفة . وأما صوم السبعة فلا يجوز تقديمه على الرجوع عن منى بعد إتمام أعمال الواجبات لأنه معلق بالرجوع قال تعالى { وسبعة إذا رجعتم } والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده ، فتقديمه عليه تقديم على وقته ، بخلاف صوم الثلاثة فإنه تعالى أمر به في الحج ، قال تعالى { فصيام ثلاثة أيام في الحج } والمراد وقته لاستحالة كون أعماله ظرفا له ، فإذا صام بعد الإحرام بالعمرة [ ص: 530 ] في أشهر الحج فقد صام في وقته فيجوز ، فإن قدر على الهدي في خلال الثلاثة أو بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي وسقط الصوم لأنه خلف ، وإذا قدر على الأصل قبل تأدي الحكم بالخلف بطل الخلف ، وإن قدر عليه بعد الحلق قبل أن يصوم السبعة في أيام الذبح أو بعدها لم يلزمه الهدي لأن التحلل قد حصل بالحلق ، فوجود الأصل بعده لا ينقض الخلف كرؤية المتيمم الماء بعد الصلاة بالتيمم ، وكذا لو لم يجد حتى مضت أيام الذبح ثم وجد الهدي لأن الذبح مؤقت بأيام النحر ، فإذا مضت فقد حصل المقصود وهو إباحة التحلل بلا هدي وكأنه تحلل ثم وجده ، ولو صام في وقته مع وجود الهدي ينظر ، فإن بقي الهدي إلى يوم النحر لم يجزه للقدرة على الأصل ، وإن هلك قبل الذبح جاز للعجز عن الأصل فكان المعتبر وقت التحلل ( قوله إذ الفراغ سبب الرجوع ) هذا تعيين للعلاقة في إطلاق الرجوع على الفراغ في الآية فذكر المسبب وأريد السبب ، وبه صرح في الكافي ، لكن الشأن في دليل إرادة المجاز .

ويمكن أن يكون الإجماع على أنه لو رجع إلى مكة غير قاصد للإقامة بها حتى تحقق رجوعه إلى غير أهله ووطنه ثم بدا له أن يتخذها وطنا كان له أن يصوم بها مع أنه لم يتحقق منه الرجوع إلى وطنه بل إلى غيره ، وإنما عرض الاستيطان بعد ذلك القدر من الرجوع ثم لم يتحقق بعد صيرورتها وطنا رجوع ليكون رجوعا إلى وطنه . وعلى أنه لو لم يتخذ وطنا أصلا ولم يكن له وطن بل مستمر على السياحة وجب عليه صومها بهذا النص ، ولا يتحقق في حقه سوى الرجوع عن الأعمال .

فعلم أن المراد به الرجوع عنها . وقول المصنف فيكون أداء بعد السبب فيجوز على هذا معناه بعد سبب الرجوع . وفيه نظر ، فإن ترتب الجواز إنما هو على وجود سبب الحكم [ ص: 531 ] لا سبب شيء آخر ، والحكم هنا وجوب الصوم وجوازه عن الواجب ، وسبب الأول وهو وجوب الصوم إنما هو التمتع ، قال الله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } أي كاملة في كونها قائمة مقام الهدي عند العجز عنه .

والثاني مسبب عن نفس الأداء في وقته بشرطه وهو العجز عن الهدي ، لما عرف من أن المأمور إذا أتى به كذلك يثبت له صفة الجواز وانتفاء الكراهة بنفس الإتيان به فلم يكن حاجة إلى ذكره ، بل إذا أتى به بعد الفراغ قبل الرجوع فقد أتى به في وقته بالنص فيجوز




الخدمات العلمية