الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 24 ] باب الجنايات ( وإذا تطيب المحرم فعليه الكفارة [ ص: 25 ] فإن طيب عضوا كاملا فما زاد فعليه دم ) وذلك مثل الرأس والساق والفخذ وما أشبه ذلك ; لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق ، وذلك في العضو الكامل فيترتب عليه كمال الموجب ( وإن طيب أقل من عضو فعليه الصدقة ) ; لقصور الجناية . وقال محمد رحمه الله : يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل . وفي المنتقى أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم اعتبارا بالحلق ، ونحن نذكر الفرق بينهما من بعد إن شاء الله . ثم واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع إلا في موضعين نذكرهما في باب الهدي إن شاء الله تعالى . وكل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي [ ص: 26 ] نصف صاع من بر إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة ، هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى .

[ ص: 24 ]

التالي السابق


[ ص: 24 ] ( باب الجنايات ) بعد ذكر أقسام المحرمين شرع في بيان أحكام عوارض لهم وللحرم ، الجناية فعل محرم ، والمراد هنا خاص منه وهو ما تكون حرمته بسبب الإحرام أو الحرم ( قوله : وإذا تطيب ) يفيد مفهوم شرطه أنه إذا شم الطيب لا كفارة عليه إذ ليس تطيبا ، بل التطيب تكلف جعل نفسه طيبا ، وهو أن يلصق ببدنه أو ثوبه طيبا وهو جسم له رائحة طيبة ، والزعفران والبنفسج والياسمين والغالية والريحان والورد والورس والعصفر طيب . وعن أبي يوسف رحمه الله : القسط طيب . وفي الخطمي اختلافهم ، ولا فرق في المنع بين بدنه وإزاره وفراشه . وعن أبي يوسف رحمه الله لا ينبغي للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران ولا ينام عليه .

ثم إن لم يكن على المحرم شيء بشم الطيب والرياحين لكن يكره له ذلك ، وكذا شم الثمار الطيبة كالتفاح وهي مختلفة بين الصحابة ، كرهه عمر وجابر ، وأجازه عثمان وابن عباس ولا يجوز له أن يشد مسكا في طرف إزاره ، ولا بأس بأن يجلس في حانوت عطار . ولو دخل بيتا قد أجمر فيه فعلق بثوبه رائحة فلا شيء عليه ، بخلاف ما لو أجمره هو . قالوا إن أجمر ثوبه : يعني بعد الإحرام فإن تعلق به كثير فعليه دم وإلا فصدقة ، وكان المرجع في الفرق بين الكثير والقليل العرف إن كان ، وإلا فما يقع عند المبتلى . وما في المجرد : إن كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما يطعم نصف صاع ، وإن كان أقل من يوم فقبضة ، يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في القليل ، وعلى تقدير الطيب في الثوب بالزمان .

ولا بأس بشم الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه وبقائه عليه . ولو انتقل بعد الإحرام من مكان إلى مكان من بدنه لا جزاء عليه اتفاقا ، إنما الخلاف فيما إذا تطيب بعد الإحرام وكفر ثم بقي عليه الطيب ، منهم من قال : ليس عليه بالبقاء جزاء ، ومنهم من قال عليه ; لأن ابتداءه كان محظورا فكان كله محظورا فيكون لبقائه حكم ابتدائه ، بخلاف الأول ، والرواية توافقه . في المنتقى هشام عن محمد إذا مس طيبا كثيرا فأراق له دما ثم ترك الطيب على حاله يجب عليه لتركه [ ص: 25 ] دم آخر ، ولا يشبه هذا الذي تطيب قبل أن يحرم ثم أحرم وترك الطيب .

( قوله : فما زاد ) يفيد أنه لا فرق في وجوب الدم بين أن يطيب عضوا . قال في المبسوط كاليد والساق ونحوهما . وفي الفتاوى : كالرأس والساق والفخذ أو أزيد إلى أن يعم كل البدن ، ويجمع المفرق فإن بلغ عضوا فدم ، وإلا فصدقة . فإن كان قارنا فعليه كفارتان للجناية على إحرامين . ثم إنما تجب كفارة واحدة بتطيب كل البدن إذا كان في مجلس واحد ، فإن كان في مجالس فلكل طيب كفارة كفر للأول أو لا عندهما . وقال محمد : عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول . وإن داوى قرحة بدواء فيه طيب ثم خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى فليس عليه إلا كفارة واحدة ما لم تبرأ الأولى ، ولا فرق بين قصده وعدمه . في المبسوط : استلم الركن فأصاب يده أو فمه خلوق كثير فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة .

وهل يشترط بقاؤه عليه زمانا أو لا ؟ في المنتقى : إبراهيم عن محمد رحمه الله إذا أصاب المحرم طيبا فعليه دم ، فسألته عن الفرق بينه وبين لبس القميص لا يجب الدم حتى يكون أكثر اليوم قال : لأن الطيب يعلق به ، فقلت : وإن اغتسل من ساعته ؟ قال : وإن اغتسل من ساعته . وفيه هشام عن محمد : خلوق البيت والقبر إذا أصاب ثوب المحرم فحكه فلا شيء عليه وإن كان كثيرا ، وإن أصاب جسده منه كثير فعليه الدم . ا هـ . وهذا يوجب التردد . وفي الكافي للحاكم الذي هو جمع كلام محمد : إن مس طيبا فإن لزق به تصدق بصدقة ، فإن لم يلزق به فلا شيء عليه إلا أن يكون ما لزق به كثيرا فاحشا فعليه دم . وفي الفتاوى : لا يمس طيبا بيده وإن كان لا يقصد به التطيب . واعلم أن محمدا قد أشار إلى اعتبار الكثرة في الطيب والقلة في الدم والصدقة . قال في باب : إن كان كثيرا فاحشا فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة ، كما صرح باعتبارهما في العضو وبعضه .

ووفق شيخ الإسلام وغيره بينهما بأنه إن كان كثيرا ككفين من ماء الورد وكف من الغالية وفي المسك ما يستكثره الناس ففيه الدم ، وإن كان في نفسه قليلا وهو ما يستقله الناس فالعبرة لتطييب عضويه وعدمه ، فإن طيب به عضوا كاملا ففيه دم وإلا فصدقة ، وإنما اعتبر الهندواني الكثرة والقلة في نفسه ، والتوفيق هو التوفيق . ( قوله : ونحن نذكر الفرق ) أي بين حلق ربع الرأس وتطييب ربع العضو وهو ما ذكر قريبا وسننبه عليه عند ذكره . وما في النوادر عن أبي يوسف : إن طيب شاربه كله أو بقدره من لحيته فعليه دم تفريع على ما في المنتقى ( قوله : إلا في موضعين ) مواضع البدنة أربعة : من طاف الطواف المفروض جنبا أو حائضا أو نفساء ، أو جامع بعد الوقوف بعرفة . لكن القدوري اقتصر على الأول والأخير كأنه اعتمد على استعلام لزوم البدنة في الحائض والنفساء بالدلالة من [ ص: 26 ] الجنب ; إما لأن الأحداث متساوية في الغلظ ، أو ; لأنهما أغلظ ; ألا ترى أنهما يمنعان قربان الزوج بخلاف جنابتها ( قوله : إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة ) فإنه يتصدق بما شاء .




الخدمات العلمية