الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة ) لبقاء إحرامه في حق النساء دون لبس المخيط ، وما أشبهه فخفت الجناية فاكتفى بالشاة .

التالي السابق


( قوله : وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة ) ما لم يكن جامع بعدما طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة فلا شيء عليه ، [ ص: 48 ] ولو كان لم يحلق حتى طاف للزيارة أربعة أشواط ثم جامع كان عليه الدم . وذكر في الغاية معزيا إلى المبسوط والبدائع والإسبيجابي : لو جامع القارن أول مرة بعد الحلق قبل طواف الزيارة فعليه بدنة للحج وشاة للعمرة ; لأن القارن يتحلل من إحرامين بالحلق إلا في حق النساء فهو محرم بهما في حقهن ، وهذا مخالف لما ذكره في الكتاب وشروح القدوري ، فإنهم يوجبون على الحاج شاة بعد الحلق . وذكر فيها أيضا معزيا إلى الوبري في هذه المسألة إنما عليه بدنة للحج ولا شيء للعمرة ; لأنه خرج من إحرامها بالحلق وبقي في إحرام الحج في حق النساء ، واستشكله شارح الكنز ; لأنه إذا بقي محرما بالحج فكذا في العمرة . والذي يظهر أن الصواب ما في الوبري ; لأن إحرام العمرة لم يعهد بحيث يتحلل منه بالحلق في غير النساء ويبقى في حقهن ، بل إذا حلق بعد أفعالها حل بالنسبة إلى كل ما حرم عليه .

وإنما عهد ذلك في إحرام الحج ، فإذا ضم إلى إحرام الحج إحرام العمرة استمر كل على ما عهد له في الشرع ، إذ لا يزيد القران على ذلك الضم فينطوي بالحلق إحرام العمرة بالكلية فلا يكون له موجب بسبب الوطء بل الحج فقط . ثم يجب النظر في الترجيح بين قول من قال بوجوب الشاة أو البدنة ، وقوله موجب البدنة أوجه ; لأن إيجابها ليس إلا بقول ابن عباس ، والمروي عنه ظاهر فيما بعد الحلق فارجع إليه وتأمله . ثم المعنى يساعده ، وذلك أن وجوبها قبل الحلق ليس إلا للجناية على الإحرام ، ومعلوم أن الوطء ليس جناية عليه إلا باعتبار تحريمه له لا لاعتبار تحريمه لغيره ، فليس الطيب جناية على الإحرام باعتبار تحريمه الجماع أو الحلق بل باعتبار تحريمه للطيب ، وكذا كل جناية على الإحرام ليست جناية عليه إلا باعتبار تحريمه لها لا لغيرها ، فيجب أن يستوي ما قبل الحلق ، وما بعده في حق الوطء ; لأن الذي به كان جناية قبله بعينه ثابت بعده ، والزائل لم يكن الوطء جناية باعتباره ، لا جرم أن المذكور في ظاهر الرواية إطلاق لزوم البدنة بعد الوقوف من غير تفصيل بين كونه قبل الحلق أو بعده .

[ ص: 49 ] ثم ذكر فيها أيضا فقال : وإذا طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة ، وقد قصر ثم جامع فليس عليه شيء ، وإن لم يكن قصر فعليه دم . فمن هنا والله أعلم أخذ التفصيل من أخذه إن كان إذ خف الموجب بعد وجود أحدهما بعد الوقوف . ولقائل أن يستشكله بأن الطواف قبل الحلق لم يحل به من شيء فكان ينبغي أن يجب الجزور ، وإن كان سؤال ابن عباس وفتواه به إنما كان فيمن لم يطف للعلم بأن فتواه بذلك ; لوقوع الجناية على إحرام أمن فساده . ولو كان قارنا : أعني الذي طاف للزيارة قبل الحلق ثم جامع قال في البدائع : عليه شاتان لبقاء الإحرام لهما جميعا . وروى ابن سماعة عن محمد في الرقيات فيمن طاف للزيارة جنبا ثم جامع قبل الإعادة . قال محمد : أما في القياس فليس عليه شيء ، ولكن أبا حنيفة استحسن فيما إذا طاف جنبا ثم جامع ثم أعاد طاهرا أن يوجب عليه دما ، وكذلك قول أبي يوسف رحمه الله . وجه القياس أن الجماع وقع بعد التحلل لما عرف من أن الطهارة ليست بشرط لصحة الطواف . وجه الاستحسان أن بالإعادة طاهرا ينفسخ الطواف الأول عند بعض مشايخ العراق ، ويصير طوافه المعتبر هو الثاني ; لأن الجناية توجب نقصانا فاحشا فيتبين أن الجماع كان قبل الطواف فيوجب الكفارة ، بخلاف ما إذا طاف على غير وضوء : يعني ثم جامع ثم أعاده متوضئا لا شيء عليه ; لأن النقصان يسير فلم ينفسخ الأول فيقع جماعه بعد التحلل ، كذا في البدائع وفيه تأمل ، فإن الانفساخ إن قال به بعض المشايخ فقد قال آخرون بعدمه وصحح فلم يلزم ، وعلى تقديره فوقوعه شرعا قبل التحلل إنما موجبه البدنة لا مطلق الدم ، اللهم إلا أن يقال : إنه قبله من وجه دون وجه ، وسنوجه عدم الانفساخ إن شاء الله تعالى




الخدمات العلمية