الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 - 52 ] ( ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة ) لأنه أدخل النقص في الركن فكان أفحش من الأول فيجبر بالدم ( وإن كان جنبا فعليه بدنة ) كذا روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ; ولأن الجنابة أغلظ من الحدث فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت ، وكذا إذا طاف أكثره جنبا أو محدثا ، لأن أكثر الشيء له حكم كله ( والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه ) وفي بعض النسخ : وعليه أن يعيد . [ ص: 53 ] والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث . ثم إذا أعاده وقد طافه محدثا لا ذبح عليه وإن أعاده بعد أيام النحر ; لأن بعد الإعادة لا يبقى إلا شبهة النقصان ، وإن أعاده وقد طافه جنبا في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه أعاده في وقته ، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة رحمه الله بالتأخير على ما عرف من مذهبه . ولو رجع إلى أهله وقد طافه جنبا عليه أن يعود ; لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له [ ص: 54 ] ويعود بإحرام جديد . وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له ، إلا أن الأفضل هو العود .

ولو رجع إلى أهله وقد طافه محدثا إن عاد وطاف جاز ، وإن بعث بالشاة فهو أفضل ; لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء ، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف .

التالي السابق


( قوله فكان أفحش ) فإن قيل : لم اختلف الجابر في الفرض والنفل في الطواف دون الصلاة ؟ فالجواب أن الأصل أن يختلف الجابر باختلاف الجناية اعتبارا للمسبب على وزان سببه فلا يترك إلا للتعذر الشرعي ، وقد أمكن في الحج لشرع الجابر فيه متنوعا إلى بدنة وشاة وصدقة فاعتبر تفاوت الجابر بتفاوت الجناية وتعذر في الصلاة إذ لم يشرع الجابر للنقص الواقع [ ص: 53 ] سهوا إلا السجود ( قوله والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا ) وإنما لم يؤمر مطلقا كما هو تلك الرواية مع أن الطهارة في الطواف مطلقا واجبة ; لأنه لم يتعين الطواف جابرا ، فإن الدم والصدقة مما يجبر بهما فالواجب أحدهما غير عين واستحباب المعين : أعني الطواف ليكون الجابر من جنس المجبور . بخلاف ما إذا رجع إلى أهله ولم يطف فإن البعث بالشاة أفضل ; لأن النقصان كان يسيرا وفي الشاة تقع للفقراء .

( قوله لا ذبح عليه وإن أعاده بعد أيام النحر ) إن هذه وصلية ، وعدم وجوب الشيء إذا أعاده بعد أيام النحر دليل أن العبرة للأول في الحدث وإلا لوجب عند أبي حنيفة رحمه الله دم للتأخير عن أيام النحر . وقوله في فصل الجنابة وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة بالتأخير أخذ منه الرازي أن العبرة في فصل الجنابة للطواف الثاني وينفسخ الأول به وذهب الكرخي إلى أن المعتبر الأول في الفصلين جميعا ، وصححه صاحب الإيضاح إذ لا شك في وقوع الأول معتدا به حتى حل به النساء ، وتقرير ما علم شرعا باعتداده حال وجوده أولى . واستدل الكرخي بما في الأصل : لو طاف للعمرة جنبا أو محدثا في رمضان وحج من عامه لم يكن متمتعا إن أعاده في شوال أو لم يعده ، واعتذر عنه السرخسي في المبسوط بأنه إنما لم يكن متمتعا لوقوع الأمن له عن فساد العمرة ، فإذا أمن فسادها قبل دخول وقت الحج [ ص: 54 ] لا يكون بها متمتعا .

قال : والطواف الأول كان حكمه مراعى لتفاحش النقصان ; فإن أعاده انفسخ وصار المعتد به الثاني ، وإن لم يعد كان معتدا به في التحلل ، كمن قام في صلاته ، ولم يقرأ حتى ركع كان قيامه وركوعه مراعى على سبيل التوقف ، فإن عاد فقرأ ثم ركع انفسخ الأول ، حتى إن من أدرك معه الركوع الثاني مدرك للركعة ، وإن لم يعد فقرأ في الركعتين الأخريين كان الأول معتدا به ، وهذا بخلاف المحدث ; لأن النقصان يسير فلا يتوقف به حكم الطواف بل بقي معتدا به على الإطلاق . والثاني جابر للتمكن فيه من النقصان ، ولو طافت المرأة للزيارة حائضا فهو كطواف الجنب سواء . ا هـ . وقول الكرخي أولى ، وجعل عدم التمتع في شاهده للأمن عن فساد العمرة قبل أشهر الحج ليس بأولى من جعل الدم لتأخير الجابر لجعله كنفس الطواف بسبب أن النقصان لما كان متفاحشا كان كتركه من وجه فيكون وجود جابره كوجوده .

أو نقول : الواجب عليه فعل الطواف في أيامه خاليا عن النقص الفاحش الذي ينزل منزلة الترك لبعضه ، فبإدخاله يكون موجدا لبعضه ووجب عليه البعض الآخر أعني صفة الكمال ، وهو تكامل الصفة وهو الطواف الجابر فوجب في أيام الطواف ، فإذا أخره وجب دم كما إذا أخر أصل الطواف . ( قوله : ويرجع بإحرام جديد ) بناء على أنه حل في حق النساء بطواف الزيارة جنبا وهو آفاقي يريد مكة فلا بد له من إحرام بحج أو عمرة ، وقيل : يعود بذلك الإحرام ، حكاه الفارسي ، ثم إذا عاد فأحرم بعمرة يبدأ بها ، فإذا فرغ منها يطوف للزيارة ويلزمه دم لتأخير طواف الزيارة عن وقته وقد تقدم . ولو طاف القارن طوافين وسعى سعيين محدثا أعاد طواف العمرة قبل يوم النحر ولا شيء عليه للجبر بجنسه في وقته ، فإن لم يعد حتى طلع فجر يوم النحر لزمه دم لطواف العمرة محدثا وقد فات وقت القضاء ، ويرمل في طواف الزيارة يوم النحر ويسعى بعده استحبابا ; ليحصل الرمل والسعي عقيب طواف كامل ، وإن لم يعد لا شيء عليه ; لأنه سعي عقيب طواف معتد به ، إذ الحدث الأصغر لا يمنع الاعتداد ، وفي الجنابة إن لم يعد فعليه دم للسعي وكذا الحائض . ( قوله : ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا إلخ ) وكذا إذا رجع إلى أهله وقد ترك منه أربعة أشواط يعود بذلك الإحرام ، وهو محرم أبدا في حق النساء ; وكلما جامع لزمه دم إذا تعددت المجالس إلا أن يقصد رفض الإحرام بالجماع الثاني وتقدم أوائل الفصل من ذلك شيء .




الخدمات العلمية