الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 63 ] ( وإن حلق في أيام النحر في غير الحرم فعليه دم ، ومن اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عند أبي حنيفة ومحمد ) رحمهما الله تعالى ( وقال أبو يوسف ) رحمه الله : ( لا شيء عليه ) قال رضي الله عنه : ذكر في الجامع الصغير قول أبي يوسف في المعتمر ولم يذكره في الحاج . قيل هو بالاتفاق ; لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنى وهو من الحرم . والأصح أنه على الخلاف ، هو يقول : الحلق غير مختص بالحرم لأن { النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير الحرم } . ولهما أن الحلق لما جعل محللا صار كالسلام في آخر الصلاة فإنه من واجباتها ، وإن كان محللا ، فإذا صار نسكا اختص بالحرم كالذبح وبعض الحديبية من الحرم فلعلهم حلقوا فيه .

فالحاصل أن الحلق يتوقت بالزمان والمكان عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعند أبي يوسف لا يتوقت بهما وعند محمد يتوقت بالمكان دون الزمان ، وعند زفر يتوقت بالزمان دون المكان . [ ص: 64 ] وهذا الخلاف في التوقيت في حق التضمين بالدم . وأما في حق التحلل فلا يتوقت بالاتفاق . والتقصير والحلق في العمرة غير موقت بالزمان بالإجماع ; لأن أصل العمرة لا يتوقت به [ ص: 65 ] بخلاف المكان ; لأنه موقت به . قال ( فإن لم يقصر حتى رجع وقصر فلا شيء عليه في قولهم جميعا ) معناه : إذا خرج المعتمر ثم عاد ; لأنه أتى به في مكان فلا يلزمه ضمانه .

التالي السابق


( قوله قيل هو بالاتفاق ) أي الاتفاق على لزوم الدم للحاج ; لأن التوارث من لدن النبي عليه الصلاة والسلام وجميع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين جرى على الحلق في الحج في الحرم من منى وهو إحدى الحجج ( قوله : فالحاصل أن الحلق يتوقت بالزمان ) وهو أيام النحر ( والمكان ) وهو الحرم ( عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يتوقت بهما ، وعند محمد بالمكان لا بالزمان وعند زفر عكسه [ ص: 64 ] وهذا الخلاف في التضمين بالدم لا في التحلل ) يعني أنه لا خلاف في أنه في أي مكان أو زمان أتى به يحصل به التحلل ، بل الخلاف في أنه إذا حلق في غير ما توقت به يلزم الدم عند من وقته ولا شيء عليه عند من لم يوقته . ثم هو أيضا في حلق الحاج ، أما المعتمر فلا يتوقت في حقه بالزمان بالاتفاق بل بالمكان عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف . لأبي يوسف ومحمد في نفي توقته بالزمان ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " اذبح ولا حرج " لمن قال حلقت قبل أن أذبح ، فدل على أنه غير موقت به ، وتقدم الجواب عن هذا . ولأبي يوسف وزفر في نفي توقته بالمكان حلقه عام الحديبية بها وهي من الحل ، ولا فرق بين العمرة والحج في هذا الحكم بالاتفاق . والجواب ما ذكر في الكتاب من أن بعض الحديبية من الحرم فيجوز كون الحلق كان فيه ، فلا حجة إلا أن ينقل صريحا أن الحلق كان في البعض الذي هو حل مع ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام نزل بالحديبية في الحل وكان يصلي في الحرم } . فالظاهر أنه لم يحلق في الحل وهو بسبيل من أن يحلق في الحرم فيبقى التوارث الكائن في الزمان والمكان خاليا عن المعارض ، وكذا ما قدمناه آنفا من قول ابن عباس في الزمان ثم [ ص: 65 ] يلحق به المكان ( قوله : فإن لم يقصر حتى رجع ) متصل بقوله فخرج من الحرم وقصر غير أنه فصل بالتقرير ونقل الأصل الخلافي .




الخدمات العلمية