الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان ( صيد الحرم وقطع شجره ) دم لحجته ودم لعمرته ) وقال الشافعي رحمه الله : دم واحد بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده ، وعندنا بإحرامين وقد مر من قبل . قال ( إلا أن يتجاوز الميقات غير محرم بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد ) [ ص: 105 ] خلافا لزفر رحمه الله لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد .

التالي السابق


( قوله : وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان : دم لحجته ، ودم لعمرته . وقال الشافعي : دم واحد بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده وعندنا بإحرامين ) فالجناية عليهما مجتمعين كالجناية عليهما منفردين . وأورد فلم لم يتداخلا كحرمة الإحرام والحرم فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم إذ كان عليه جزاء واحد ؟ . أجيب بأن حرمة الإحرام أقوى من حرمة الحرم ; لأنها توجب حرمات كثيرة غير الصيد ، بخلاف حرمة الحرم فاستتبعت أقوى الحرمتين الأخرى ; لأن الأصل إذا اجتمع موجبان لحكم واحد أضيف الحكم إلى أقواهما وجعل الآخر تبعا له كالعدم .

وهذا كالحافر مع الدافع والحاز للرقبة مع الجارح . وإحرام الحج مساو لإحرام العمرة ، فإن جميع ما يحرم به يحرم بالآخر فلم يمكن الاستتباع فيجعل [ ص: 105 ] كل كأن ليس معه غيره ، كما لو جرح اثنان آخر فمات .

ويرد عليه ما ذكره المصنف في دفع إيجاب الشافعي البدنة على من جامع في العمرة بعدما طاف أربعة أشواط قياسا على وجوبها إذا جامع في الحج بعد الوقوف بعرفة من أنها سنة ومنع افتراضها فيجب عليه شاة إظهارا للتفاوت فأظهر التفاوت في الأجزية للتفاوت في المجني عليه ، فلو اتحد رتبة إحرامي الحج والعمرة لم يصح ما ذكره ، وإذا ظهر التفاوت جاز الاستتباع ، وإن لم يبلغ إلى درجة عدم الإيجاب ، ألا ترى أن حرمة الحرم موجبة بانفرادها ما يوجبه الإحرام ، ومع ذلك ظهر التفاوت من وجه آخر ووقع الاستتباع ، وعند هذا نورد ما كنا وعدنا ، وهو إن قتل الصيد محرم واقع جناية على الإحرام فموجب الجزاء إن كان نفس انتهاك حرمة القتل وجب أن لا يتعدد ; لأنه لا تعدد في الحرمة بل التعدد في السبب على ما حققناه في مسألة قتل المحرم صيد الحرم ، وإن كان الجناية على الإحرام والإحرام متعدد فيتعدد الجزاء وجب التعدد في قتل المحرم صيد الحرم لتعدد الجناية بتعدد المجني عليه وهو الإحرام والحرم ، إذ لا شك أن منع قتل الصيد فيه لإثبات الله تعالى له حرمة وجعله حماه والقتل فيه جناية على حرم الله ، وكون إحدى الحرمتين فوق الأخرى لم يعرف في الشرع سببا لإهدار الحرمة وجعلها تبعا ، بل الأصل أن كل حرمة تستتبع موجبها سواء ساوت غيرها أو لا .

ومن المعلوم أن الوجوبات والتحريمات تتفاوت بالآكدية وقوة الثبوت ولم يسقط اعتبار شيء منها خصوصا ، وهذه الكفارة ظهر من الشارع الاحتياط في إثباتها حيث ثبتت مع النسيان والاضطرار في قتل الصيد فلا يجوز الاحتياط في إسقاطها إلا لموجب لا مرد له كثبوت الحاجة إلى تكرير السبب كثيرا كما قلنا في تكرير آية سجدة التلاوة ، وليس ذلك بلازم إذ لا حاجة متحققة في تكثير القتل مع الإحرام والحرم ; ليستلزم تعدد الواجب الحرج فيدفع بالتداخل لطفا ورحمة فيلزم التداخل . والجواب منع الحصر ; لجواز كون الجزاء لإدخال النقص في العبادة لا لكونه جناية .

والقارن بالجناية على الإحرامين مدخل للنقص في عبادتين ، بخلاف قتل المحرم صيد الحرم ، وذكر شيخ الإسلام أن وجوب الدمين على القارن إذا كانت الجناية قبل الوقوف في الجماع وغيره ، أما بعد الوقوف ففي الجماع يجب دمان وفي سائر المحظورات دم واحد وتقدم ما فيه ( قوله : لأن المستحق عليه إلخ ) هذا وجه المذهب واقتصر عليه ، ولم يذكر وجه قول زفر لضعف كلامه في هذه المسألة ، وأما الصورة التي يجب بسببها على القارن دمان بسبب المجاوزة فهي فيما إذا جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة فأحرم بعمرة ، ولم يعد إلى الحل محرما فليس كلاهما للمجاوزة بل الأول لها والثاني لترك ميقات العمرة ، فإنه لما دخل مكة التحق بأهلها وميقاتهم في العمرة الحل .




الخدمات العلمية