الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 148 ] ( والمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع ، يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق ) لحديث المغيرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة ، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوطا بالأصابع } [ ص: 149 ] ثم المسح على الظاهر حتم حتى لا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه لأنه معدول به عن القياس فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع ، والبداءة من الأصابع استحباب اعتبارا بالأصل وهو الغسل ( وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد ) وقال الكرخي رحمه الله تعالى : من أصابع الرجل ، والأول أصح اعتبارا لآلة المسح .

التالي السابق


( قوله يبدأ من قبل الأصابع إلخ ) صورته أن يضع أصابع اليمنى على مقدم خفه الأيمن وأصابع اليسرى على مقدم الأيسر ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج أصابعه ، هذا هو الوجه المسنون . ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات كل مرة بماء جديد على موضع جديد جاز وإلا لا يجوز . وفي الخلاصة : لو وضع الكف ومدها مع الأصابع كلها حسن ، والأحسن أن يمسح بجميع اليد : يعني بأصابعها .

ولو مسح بظاهر كفيه جاز ، وكذا برءوس الأصابع إذا بلغ قدر ثلاث أصابع . ويجوز ببلل بقي في يده من غسل عضو وإن لم يكن متقاطرا لا بما بقي من مسح ، وعلله قاضي خان بأنها بلة مستعملة بخلاف الأول ( قوله لحديث المغيرة ) وفيه مسحة واحدة فأخذوا منه أن تكرار المسح على الخفين غير مشروع ، وأيضا بالتكرر لا يبقى خطوطا لكن قيل إن حديث المغيرة بهذا اللفظ لا يعرف . والذي رواه الترمذي عنه قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما } وحسنه لكن في أوسط الطبراني من طريق جرير بن يزيد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ فغسل خفيه فنخسه برجله وقال : ليس هكذا السنة أمرنا بالمسح هكذا ، وأمر بيديه على خفيه وفي لفظ ثم أراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة وفرج بين أصابعه } قال الطبراني : لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد .

وفي الإمام روى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه مسح على خفيه حتى رئي آثار أصابعه على خفيه خطوطا ورئي آثار أصابع قيس بن سعد [ ص: 149 ] على الخف ( قوله ثم المسح على الظاهر ) أي ظاهر محل الفرض وهو مقدم الرجل إذا وجد منه قدر ثلاث أصابع ، ولو قطعت إحدى رجليه وبقي منها أقل منه أو بقي ثلاث أصابع لكن من العقب لا من موضع المسح فلبس على الصحيحة والمقطوعة لا يمسح لوجوب غسل ذلك الباقي كما لو قطعت من الكعب حيث يجب غسل الرجلين ولا يمسح ( قوله فيراعي جميع ما ورد به الشرع ) يعني في المحل ، ولذا قال علي رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره .

قال في النهاية : نقلا عن المبسوط : ولأن باطنه لا يخلو عن لوث عادة فيصيب يده ، وهذا يفيد أن المراد بالباطن عندهم محل الوطء لا ما يلاقي البشرة ، لكن بتقديره لا تظهر أولوية مسح باطنه لو كان بالرأي ، بل المتبادر من قول علي رضي الله عنه ذلك ما يلاقي البشرة ، وهذا لأن الواجب من غسل الرجل في الوضوء ليس لإزالة الخبث بل للحدث ، ومحل الوطء من باطن الرجل فيه كظاهره ، وكذا ما روي عن علي فيه بلفظ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه يجب أن يراد بالأسفل الوجه الذي يلاقي البشرة لأنه أسفل من الوجه الأعلى المحاذي للسماء لما ذكرنا .

ثم قد يقال : إنه لم يجب مراعاة جميع ما ورد به في محل الابتداء والانتهاء للعلم بأن المقصود إيقاع البلة على ذلك المحل حتى جاز البداءة من أصل الساق إلى رءوس الأصابع ، لكن يجب في حق الكمية نظرا إلى ذلك فينبغي أن لا يجوز قدر ثلاث أصابع إلا بنص ( قوله مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد ) في كل رجل ، فلو مسح على رجل أصبعين وعلى الأخرى قدر خمسة لم يجز ، ولا فرق بين حصول ذلك بيده أو بإصابة مطر أو من حشيش مشى فيه مبتل ولو بالطل على الأصح . وقيل لا يجوز بالطل لأنه نفس دابة لا ماء ، وليس بصحيح ، وهذا الإطلاق تفريع على عدم اشتراط النية للمسح على الخف وهو الصحيح لأنه طهارة بالماء ، خلافا لما في جوامع الفقه للعتابي حيث شرطها .

وفي الخلاصة : لو توضأ ومسح الخف ونوى به [ ص: 150 ] التعليم دون الطهارة يصح




الخدمات العلمية