الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة ) هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، ولأن الحجة [ ص: 131 ] يجب قضاؤها لصحة الشروع فيها والعمرة لما أنه في معنى فائت الحج ( وعلى المحصر بالعمرة القضاء ) والإحصار عنها يتحقق عندنا . وقال مالك رحمه الله : لا يتحقق ; لأنها لا تتوقت . ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا ; ولأن شرع التحلل لدفع الحرج وهذا موجود في إحرام العمرة ، وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج .

التالي السابق


( قوله : هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر ) وذكره الرازي عن ابن عباس وابن مسعود ، ثم ذكر وجهه من القياس وهو على فائت الحج . وقد يورد عليه أن وجوب العمرة على فائت الحج إنما هو ; للتحلل بها ، والمحصر يتحلل بالهدي فلا تجب العمرة عليه . والجواب أن الهدي ; لتعجيل الإحلال قبل الأعمال ، وهذا ; لأنه قد تحقق من الشرع أنه متى صح الشروع في الإحرام انعقد لازما ولا يخرج عنه إلا بأداء الأفعال : أي أفعال حج أو عمرة ، حتى أنه إذا فاته ما أحرم به من الحج لم يسوغ خروجه إلا بأفعال هي أفعال عمرة ، وإذا أحرم بالحج ينوي الفرض ثم ظهر له أنه كان أداه لزمه المضي فيه ، بخلاف الصلاة والصوم حيث لا يلزم بالشروع فيه مظنون الوجوب .

، وإذا أفسده وجب المضي في الفاسد ولا يخرج عن عهدته إلا بالأفعال بخلاف سائر العبادات ، وإذا صح شروع المحصر لا يتحلل بمقتضى ما ذكرنا إلا بأفعال عمرة ، كفائت ; للحج فإنه عجز عن الإتمام بعد الشروع ، فإذا لم يفعل وجب أن يحكم بوجوب قضائها ردا إلى ما عهد من أمر الحج في الشرع ، وأن الدم وجب عليه بتعجيل الإحلال قبل الأعمال ، وهو لا ينفي بقاء ذلك الواجب ، وعن هذا [ ص: 131 ] قلنا : لو لم يحل حتى تحقق بوصف الفوات تحلل بالأفعال بلا دم ولا عمرة في القضاء ، ثم ما ذكرناه من وجوب الحجة والعمرة في القضاء على المحصر هو فيما إذا قضاها من قابل ، فلو قضى الحجة من عامه لا تجب معها عمرة ; لأنه لا يكون كفائت الحج كذا عن أبي حنيفة . وعنه لا يحتاج إلى نية التعيين إذا قضاها في تلك السنة ، ذكرهما محمد في الأصل .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه عليه حجة وعمرة في الوجهين وعليه نية القضاء ، وهو قول زفر ، وعلى هذا الاختلاف والتفصيل ما إذا أحرمت المرأة بحجة تطوع فمنعها زوجها وحللها ثم أذن لها بالإحرام فأحرمت من عامها أو تحولت السنة ، وإذا قضاهما من قابل إن شاء قرن بهما ، وإن شاء أفردهما . واعلم أن نية القضاء إنما تلزم إذا تحولت السنة اتفاقا فيما إذا كان الإحصار بحج نفل ، أما إذا كان بحجة الإسلام فلا ; لأنها قد بقيت عليه حين لم يؤدها فينوي حجة الإسلام من قابل . ( قوله : لأنها لا تتوقت ) فلا يتحقق خوف الفوات . قلنا خوف الفوات ليس هو المبيح ; للتحلل ، وإلا لم يجز التحلل ; لأنه إذا فاته الحج يتحلل بأفعال العمرة ، وذلك لا يفوت ، فعلم أن التحلل إنما أبيح ; لما قدمناه من ضرر امتداد الإحرام مع ظهور عجزه عن الأداء .

ومن فروع الإحصار بالعمرة : رجل أهل بنسك مبهم فأحصر قبل التعيين فعليه أن يبعث بهدي واحد ويقضي عمرة استحسانا . وفي القياس حجة وعمرة ; لأن إحرامه إن كان للحج لزماه فكان فيه الاحتياط لكنه استحسن المتيقن وهو العمرة فتصير هي دينا في ذمته ، وفيه نظر ; ولأنه كان متمكنا من الخروج عن هذا الإحرام بأداء عمرة فكذا بعده . وعن هذا أيضا قلنا : لو جامع قبل التعيين لزمه دم الجماع والمضي في أفعال العمرة وقضاؤها ، بخلاف ما لو كان عين نسكا فنسيه ثم أحصر ; لأن هناك تيقنا عدم نية الحج وهنا جاز كون المنوي كان الحج فيحل بهدي وعليه حجة وعمرة لهذا الاحتياط . ولو أحرم بشيئين والباقي بحاله فأحصر بعث بهديين ويقضي حجة وعمرتين استحسانا وقد قدمنا هذه .




الخدمات العلمية