الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف فهو محصر ) ; لأنه تعذر عليه الإتمام فصار كما إذا أحصر في الحل ( وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر ) أما على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في التحلل ، وأما على الوقوف فلما بينا ، وقد قيل في هذه المسألة خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله [ ص: 135 ] تعالى والصحيح ما أعلمتك من التفصيل ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


( قوله : ومن أحصر ) بعد الوقوف بعرفة ( لا يكون محصرا ; لوقوع الأمن من الفوات ) بتحقق الفعل فلا يرد النقض بالعمرة ، فإن الأمن من الفوات متحقق فيها مع تحقق الإحصار بها ; لأن المراد هنا أنه قد وقع الفعل بحيث لا يتصور بعده فساد ولا فوات ، وسقط به الفرض إذا انضم إليه الطواف في أي وقت اتفق من عمره ، بخلاف معنى عدم الفوات في العمرة فلم يصدق عليه معنى الإحصار عن الحج ، فإن معناه المنع عن أفعاله ، وهذا قد فعل ما له حكم الكل فلم يلزم امتداد الإحرام الموجب للحرج ; لأنه متمكن من الإحلال بالحلق يوم النحر عن كل محظور سوى النساء ، ثم إن حلق في غير الحرم لزمه دم . والحاصل أنه لم يتحقق العذر المجوز للإحلال على ذلك الوجه ; لتمكنه منه على سنن المشروع الأصلي ، غير أنه يبقى المنع في يسير وهو النساء فيزول بالطواف ، ولا يعجز المحصر عن ساعة من ليل أو نهار يجد بها فرصة قدر الطواف مختفيا في زمان قدر شهر ، والمنع من النساء في هذا المقدار لا يستلزم حرجا يبيح الإحلال مطلقا بغير الطريق الأصلي : أعني الحلق ، بخلاف الإحصار بالعمرة وهو محرم بها ، هذا ، وإذا تحقق الإحصار بعد مجرد الوقوف كان عليه دم ; لوقوف المزدلفة ودم الرمي ودمان ; لتأخير الحلق عن المكان وتأخير الطواف عند أبي حنيفة إن أخرهما ودم آخر إن حلق في الحل .

واختلف هل له ذلك أم لا ؟ قيل ليس له أن يحلق في مكانه في غير الحرم ، ولو أخره حتى يحلق في الحرم تأخر عن زمانه ، وتأخيره عن الزمان أهون منه في غير المكان . وقيل له ، إذ ربما لو أخره ; ليحلق في الحرم يمتد الإحصار فيحتاج إلى الحلق في الحل فيفوت المكان والزمان ( قوله : وقد قيل في هذه المسألة خلاف ) وهو ما ذكر علي بن الجعد عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة [ ص: 135 ] عن المحرم يحصر بالحرم فقال : لا يكون محصرا ، فقلت : أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أحصر بالحديبية وهي من الحرم ؟ فقال : إن مكة كانت يومئذ دار الحرب ، وأما اليوم فهي دار الإسلام فلا يتحقق الإحصار فيها . قال أبو يوسف : أما أنا فأقول : إذا غلب العدو على مكة حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر . والأصح أن التفصيل المذكور قول الكل . وفيه أن الحديبية من الحرم ، وهو خلاف ما ذكره البخاري أنها من الحل ، وما ذكره المصنف وغيره من مشايخنا أن بعضها من الحرم ، ولو صحت هذه الرواية فلا خلاف في المعنى إذا لاحظت تعليل أبي حنيفة ، وبملاحظته أيضا يتضح ما ذكرنا من حمل منعه الإحصار بالحرم على ما بالعذر ، إذ لا يخفى إمكان تحقق العجز عن الذهاب إلى مكة بشدة المرض في بعض الصور مع تحقق الإضرار ببقاء الإحرام مع المرض ، والله سبحانه أعلم .

[ تقسيم ] المتحلل قبل أعمال ما أحرم به إما محصر أو فائت الحج أو غيرهما ، وتحلل الأول في الحال بالدم والثاني بأفعال العمرة والثالث بلا شيء يتقدمه وهو كل من منع من المضي شرعا ; لحق العبد ، كالمرأة والعبد الممنوعين ; لحق الزوج والمولى إذا أحرما بغير إذن فإن للزوج والمولى أن يحللاهما في الحال بلا شيء ; ثم على المرأة أن تبعث بهدي يذبح عنها في الحرم ، وعلى العبد إذا أعتق هدي الإحصار ، وعليهما معا قضاء حجة وعمرة ، وسنذكر تمامه إن شاء الله تعالى في المسائل المنثورة .




الخدمات العلمية