الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الفوات ( ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج ) ; لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه ( وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه ) ; لقوله عليه الصلاة والسلام { من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل } والعمرة ليست إلا الطواف والسعي ، [ ص: 136 ] ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم ، وهاهنا عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة ولا دم عليه ; لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما .

التالي السابق


( باب الفوات ) . ( قوله : لقوله عليه الصلاة والسلام : { من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل } ) [ ص: 136 ] رواه الدارقطني من حديث ابن عمر وابن عباس ، فحديث ابن عمر في سنده رحمة بن مصعب ، قال الدارقطني : ضعيف وقد تفرد به ، ورواه ابن عدي في الكامل وضعفه بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وضعفه عن جماعة . وحديث ابن عباس فيه يحيى بن عيسى النهشلي ضعفه ابن حبان وأسند تضعيفه عن ابن معين . وقال صاحب التنقيح : روى له مسلم . واعلم أن الغرض من خصوص هذا المتن الاستدلال على نفي لزوم الدم ، فإن ما سواه من الأحكام المذكورة لا يعلم فيها خلاف . ووجهه أنه شرع في بيان حكم الفوات ، وكان المذكور جميع ما له من الحكم ، وإلا نافى الحكمة ، وليس من المذكور لزوم الدم ، فلو كان من حكمه لذكره . ( قوله : كما في الإحرام المبهم ) وهو أن لا يزيد في النية على مجرد الإحرام ثم يلبي فإنه يصح ، ولا يخرج عنه إلا بأداء أحد النسكين ، وله أن يعين ما شاء ما لم يشرع في الطواف ، فإذا شرع قبل التعيين تعينت العمرة ولذا قلنا : لو لم يعين حتى طاف أقل الأشواط ثم أحرم بعمرة رفضها ولزمه حكم الرفض على ما ذكرناه في إضافة الإحرام إلى الإحرام ; لأنه حينئذ صار جامعا بين عمرتين ، وقد أسلفنا في الإحرام المبهم شيئا في باب الإحرام ، والمراد بالصحيح في قوله : لأن الإحرام بعد ما انعقد صحيحا اللازم ليخرج به العبد والزوجة بغير إذن لا مقابل ما فسد .

( قوله : ولا دم عليه ) وقال الحسن بن زياد : عليه الدم كقول الشافعي ومالك رحمهما الله . ولنا فيه ما ذكرنا من الحديث آنفا ، وهو حجة ; لأن مسلما روى ; للنهشلي ، وما رواه مالك في الموطإ عن عمر أنه قال ; لأبي أيوب الأنصاري حين فاته الحج : اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت ، فإذا أدركك الحج من قابل فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي . وكذا روي عنه أنه قال ; لهبار بن الأسود ومن معه حين فاتهم الحج . وعن ابن عمر مثل ما عن أبيه رضي الله عنهما ، رواه الشافعي عنه فمحمول على الندب ; لما قدمنا من الحديث المرفوع أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر به حين بيانه لحكم الفوات ، أو لم يعلما فيه [ ص: 137 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وتأيد بما ذكره من المعنى في الكتاب وهو أن العمرة لفائت الحج جعلت شرعا شرطا للتحلل ، وكانت كالدم في المحصر فلا يجمع بينهما . وقوله : لأن التحلل إلخ المراد أن لزوم الدم على المحصر ; لكونه تعجل الإحلال قبل الأعمال ، وهذا قد حل بالأعمال فلا يجب عليه الدم لا ما يتخايل من ظاهر العبارة ; ليقال عليه مقتضاه أن لا يجب على المحصر عمرة في قضاء الحجة حينئذ




الخدمات العلمية