الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 196 ] ( ولا ينعقد بلفظ الإجارة ) في الصحيح لأنه ليس بسبب لملك المتعة ( و ) لا بلفظ ( الإباحة والإحلال والإعارة ) لما قلنا ( و ) لا بلفظ ( الوصية ) لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت .

التالي السابق


[ القسم الثالث ] لا ينعقد بالإجارة في الصحيح احترازا عن قول الكرخي ، وجهه أن الثابت بكل منهما ملك منفعة فوجد المشترك ، وجه الصحيح على ما ذكروا أنها لا تنعقد إلا مؤقتة ، والنكاح يشترط فيه نفيه فتضادا ، فلا يستعار أحدهما للآخر . وقد يقال : إن كان المتضادان هما العرضان اللذان لا يجتمعان في محل واحد لزمكم مثله في البيع لأنه لا يجامع النكاح مع جواز العقد به .

والتحقيق أن التوقيت ليس جزء مفهوم لفظ الإجارة بل شرط لاعتباره شرعا خارج عنه فهو مجرد تمليك المنافع بعوض ، غير أنه إذا وقع مجردا لا يعتبر شرعا على مثال الصلاة هي القيام إلخ ، ولو وجدت بلا طهارة لا تعتبر ، ولا يقال : إن الطهارة جزء مفهوم الصلاة ، ولذا عدل المصنف عن التوجيه بهذا إلى نفي السببية التي هي العلاقة ، فإن الإجارة ليست سببا لملك المتعة حتى يتجوز بها عن النكاح ولهذا تبطل بالإعارة ، وهذا إذا جعلت المرأة مستأجرة . أما إذا جعلت بدل الإجارة أو رأس مال السلم كأن يقال استأجرت دارك بابنتي هذه أو أسلمتها إليك في كر حنطة ينبغي أن لا يختلف في جوازه ، فإنه أضاف إليها بلفظ تملك به الرقاب .

قال المصنف رحمه الله ( ولا بلفظ الوصية لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت ) وعن الطحاوي ينعقد لأنه يثبت به ملك الرقبة في الجملة . وعن الكرخي إن قيد الوصية بالحال بأن قال : أوصيت لك ببنتي هذه الآن ينعقد للحال لأنه به صار مجازا عن التمليك ا هـ .

وينبغي أن لا يختلف في صحته حينئذ . والحاصل أنه إذا قيدت بالحال يصح ، أو بما بعد الموت بأن قال أوصيت لك بابنتي بعد موتي لم يكن نكاحا ، ولو قال أوصيت [ ص: 197 ] لك بها ولم يزد فقيل لا يكون نكاحا ، وعن الطحاوي ينعقد . ثم كون الإضافة إلى ما بعد الموت بيان للواقع فيما نحن فيه . وإلا فمجرد الإضافة يستقل بضم الصحة لو قال زوجتكها غدا لم يصح .

وحاصل الوجه أن الإضافة مأخوذة في مفهوم الوصية وعدمها في النكاح فتضادا . ولا يتجوز بلفظ أحد الضدين عن الآخر . بخلاف الهبة ليس جزء مفهوم اللفظ الإضافة إلى ما بعد القبض ، بل هي تمليك العين بلا بدل ، ثم هو يتأخر فيما إذا كان الموهوب ليس في يد الموهوب له لضعف سببيتها بسبب عدم العوض ، ولذا لو كان في يد الموهوب له تم الملك بنفس اللفظ .

[ القسم الرابع ] لا ينعقد بلفظ الإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع لعدم تمليك المتعة في كل منها فانتفى الجامع وهو المشار إليه بقوله لما قلنا . ولا ينعقد بلفظ الإقالة والخلع لأنهما لفسخ عقد ثابت .



[ فروع : الأول ] كل لفظ لا ينعقد به النكاح ينعقد به الشبهة فيسقط به الحد ، ويجب لها الأقل من المسمى ومن مهر المثل إن دخل بها .



الثاني : لو لقنت المرأة زوجت نفسي بالعربية ولا تعلم معناها وقبل الزوج والشهود يعلمون ذلك أو لا يعلمونصح كالطلاق . وقيل لا كالبيع كذا في الخلاصة . ومثل هذا في جانب الرجل إذا لقنه ولا يعلم معناه . وهذه في جملة مسائل الطلاق والعتاق والتدبير والنكاح والخلع ، فالثلاثة الأول واقعة في الحكم ، ذكره في عتاق الأصل في باب التدبير . وإذا عرف الجواب فيها قال قاضي خان : ينبغي أن يكون النكاح كذلك لأن العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل ، بخلاف البيع ونحوه . وأما في الخلع إذا لقنت اختلعت نفسي منك بمهري ونفقة عدتي فقالته ولا تعلم معناه ولا أنه لفظ الخلع اختلفوا فيه ، قيل لا يصح وهو الصحيح . قال القاضي : وينبغي أن يقع الطلاق ولا يسقط المهر ولا النفقة ، وكذا لو لقنت أن تبرئه ، وكذا المديون إذا لقن رب الدين لفظ الإبراء لا يبرأ .



الثالث : إذا سمى المهر مع الإيجاب بأن قال تزوجتك بكذا فقالت قبلت النكاح ولا أقبل المهر قالوا لا يصح . ولا يشكل بأنه ليس من شرط صحة النكاح صحة التسمية أو وجودها ، لأنه ما أوجب النكاح إلا بذلك القدر المسمى . فلو صححناه إذا قبلت في النكاح دون المهر للزمه مهر المثل وهو لم يرض بالنكاح به بل بما سمي فيلزمه ما لم يلتزمه بخلاف ما إذا لم يسم من الأصل لأن غرضه النكاح بمهر المثل حيث سكت عنه مع أنه لازم فيلزمه ما التزمه ، ولو قالت قبلت النكاح ولم تزد على ذلك صح النكاح بما سمى .

وقد يخالفه ما في المنتقى : عبد تزوج على رقبته بغير إذن المولى فبلغه فقال أجيز النكاح ولا أجيز على رقبته يجوز النكاح ولها الأقل من مهر المثل ومن قيمته يباع فيه . بخلاف ما في الجامع : أمة تزوجت بغير إذن المولى على مائة درهم فبلغه الخبر فقال أجزت النكاح على خمسين دينارا ورضي به الزوج جاز لأن هذه مقرونة برضا الزوج فهي ملحقة بإجازته .

والحق ما أعلمتك من كلام المشايخ فيجب التعويل عليه وإن خالف ما عن محمد .



الرابع : ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب ، وصورته أن يكتب إليها يخطبها ، فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم وقالت زوجت نفسي منه . أو تقول إن فلانا قد كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني زوجت نفسي منه .

أما لو لم تقل بحضرتهم سوى زوجت نفسي من فلان لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط [ ص: 198 ] صحة النكاح .

وبإسماعهم الكتاب أو التعبير عنه منها قد سمعوا الشطرين بخلاف ما إذا انتفيا ، ومعنى الكتاب بالخطبة أن يكتب زوجيني نفسك فإني رغبت فيك ونحوه ، ولو جاء الزوج بالكتاب إلى الشهود مختوما فقال هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة حتى يعلم الشهود ما فيه وهو قول أبي يوسف ، ثم رجع وجوزه من غير شرط إعلام الشهود بما فيه .

وأصل الخلاف كتاب القاضي إلى القاضي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى . قال في المصفى : هذا يعني الخلاف إذا كان الكتاب بلفظ التزوج ، أما إذا كان بلفظ الأمر كقوله زوجي نفسك مني لا يشترط إعلامها الشهود بما في الكتاب لأنها تتولى طرفي العقد بحكم الوكالة ونقله من الكامل .

قال : وفائدة الخلاف إنما تظهر فيما إذا جحد الزوج الكتاب بعدما أشهدهم عليه من غير قراءته عليهم ولا إعلامهم بما فيه وقد قرأ المكتوب إليه الكتاب عليهم وقبل العقد بحضرتهم فشهدوا أن هذا كتابه ولم يشهدوا بما فيه لا تقبل هذه الشهادة عندهما ولا يقضى بالنكاح ، وعنده تقبل ويقضى به ، أما الكتاب فصحيح بلا إشهاد ، وهذا الإشهاد لهذا وهو أن تتمكن المرأة من إثبات الكتاب عند جحود الزوج الكتاب ، كذا في مبسوط شيخ الإسلام والكامل . وأجمعوا في الصك أن الإشهاد لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب .

واعلم أن ما نقله من نفي الخلاف في صورة الأمر لا شبهة فيه على قول المصنف والمحققين ، أما على قول من جعل لفظ الأمر إيجابا كقاضي خان على ما نقلناه عنه فيجب اعتبار إعلامها إياهم بما في الكتاب وأنه إن لم يعلمهم الكاتب بما في الكتاب تكون من صور الخلاف ، وعلى هذا ما صدرنا به المسألة .



الخامس : ينعقد بالإشارة من الأخرس إذا كانت له إشارة معلومة .



السادس : ينعقد بنقل الرسول عبارة المرسل إذا أجابت وسمع الشهود كلاميهما ، وسنفصله إن شاء الله تعالى في فصل الوكالة بالنكاح .



السابع : لا يبطل عقد النكاح بالشروط الفاسدة ، فلو قال أتزوجك على أن تعطيني عبدك فأجابته بالنكاح انعقد موجبا لمهر مثلها عليه ولا شيء له من العبد .



الثامن : لا يجوز تعليق النكاح بالخطر ، لو قال إذا جاء فلان فقد زوجتك بنتي فلانة فقبل فجاء فلان لا ينعقد ، وكذا تعليق الرجعة إذ كل منهما إلزام . والذي يجوز تعليقه بالشرط ما هو إسقاط كالطلاق والعتاق أو التزام كالنذر ، إلا التعليق بالمشيئة إذا أبطل من له المشيئة في المجلس على ما في التجنيس . في رمز الفتاوى الصغرى وغيرها : إذا قال تزوجتك إن شئت أو إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة مشيئته في المجلس فالنكاح جائز ، لأن المشيئة إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة ، كما لو قال في السلم إذا بطل الخيار في المجلس جاز السلم ثم قال : لكن إذا بدأت المرأة ، أما إذا بدأ الزوج فقال تزوجتك إن شئت ثم قبلت المرأة من غير شرط صح النكاح ، ولا يحتاج إلى إبطال المشيئة بعد ذلك لأن القبول مشيئة ا هـ .

وهذا ناظر إلى أن ما من جانب المرأة هو القبول سواء تقدم أو تأخر . وما من جانب الرجل إيجاب تقدم أو تأخر ، وقد قدمنا قريبا أن الحق أن الأول إيجاب من أي جهة كان ، والثاني قبول كذلك ولعدم جواز تعليقه بالخطر امتنع خيار الشرط فيه فيبطل ، كما لو قال تزوجتك على أني بالخيار فقبلت صح ولا خيار له ، بخلاف ما لو قال إن رضي أبي لا يجوز ، بخلاف من خطبت إليه ابنته فقال زوجتها فلم يصدقه الخاطب فقال إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها منك فقبل بحضرة الشهود ، ثم ظهر أنه لم يكن زوجها حيث ينعقد [ ص: 199 ] النكاح بينهما ، لأن هذا تعليق بما هو موجود للحال ومثله تحقيق ، كذا أجاب بعض المشايخ ، وسنفصل الكلام في خيار الشرط والرؤية والعيب في باب المهر إن شاء الله تعالى .



التاسع : إذا وصل الإيجاب بتسمية المهر كان من تمامه ، حتى لو قبل الآخر قبله لا يصح ، كامرأة قالت لرجل زوجت نفسي منك بمائة دينار فقبل أن تقول بمائة دينار قبل الزوج لا ينعقد ، لأن أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير أوله ، وهنا كذلك فإن مجرد زوجت ينعقد بمهر المثل وذكر المسمى معه يغير ذلك إلى تعيين المذكور فلا يعمل قول الزوج قبله .



العاشر : ينعقد النكاح من الهازل وتلزم مواجبه لقوله صلى الله عليه وسلم { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق ، والرجعة } رواه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه أبو داود وجعل العتق بدل الرجعة وكذا ينعقد من المكره




الخدمات العلمية