الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 197 - 199 ] قال ( ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين عاقلين بالغين مسلمين رجلين أو رجل وامرأتين عدولا كانوا أو غير عدول أو محدودين في القذف ) اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بشهود } وهو حجة على مالك رحمه الله في اشتراط الإعلان دون الشهادة .

التالي السابق


( قوله ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور إلخ ) احتراز عن غير المسلمين إذ سيأتي أن أنكحة الكفار بغير الشهود صحيحة إذا كانوا يدينون بذلك . وقوله بحضور لا يوجب السماع وهو قول جماعة منهم القاضي علي السغدي ، ونقل عن أبواب الأمان من السير الكبير أنه يجوز وإن لم يسمعوا ، وعلى هذا جوزوه بالأصمين والنائمين ، والصحيح اشتراط السماع لأنه المقصود من الحضور وسيأتي تمامه . أما اشتراط الشهادة فلقوله صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بشهود } قال المصنف ( وهو حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الإشهاد ) وظاهر أنه حجة عليه في الأمرين : اشتراط الإعلان وعدم اشتراط الإشهاد ، لكن المقصود أنه حجة في أصل المسألة وهو اشتراط الإشهاد ، وإنما زاد ذكر الإعلان تتميما لنقل مذهبه .

ونفى اشتراط الشهادة قول ابن أبي ليلى وعثمان البتي وأبي ثور وأصحاب الظواهر .

قيل وزوج ابن عمر بغير شهود وكذا فعل الحسن وهم محجوجون بقوله صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بشهود } رواه الدارقطني .

وروى الترمذي من حديث { ابن عباس البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير شهود } ولم يرفعه غير عبد الأعلى في التفسير ، ووقفه في الطلاق ، لكن ابن حبان روى من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال { لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } قال ابن حبان : لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا ، وشتان ما بين هذا وبين قول فخر الإسلام : إن حديث الشهود مشهور يجوز تخصيص الكتاب به : [ ص: 200 ] أعني قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية ، فيندفع به الإيراد المعروف ، وهو لزوم الزيادة على الكتاب أو تخصيصه بخبر الواحد .

وجواب آخر ، وهو أنه خص منه المحرمات فجاز تخصيصه بخبر الواحد ثانيا ، ولو عدل إلى النص في قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فالجواب بأن الآخر مخصوص بالمشركة ونحوها . واعلم أن المشايخ رحمهم الله نصبوا الخلاف في موضعين : في الشهادة على ما ذكرنا ، وفي الإعلان .

واستدلوا لمالك في إثباته بالمنقول من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم { أعلنوا بالنكاح } رواه الترمذي وقال : حسن غريب . وبالمعقول وهو أن حرام هذا الفعل يكون سرا فضده يكون جهرا لتنتفي التهمة . والذي يظهر أن هذا نصب في غير محل النزاع ، يظهر ذلك من أجوبتهم عن هذا الاستدلال وغيره ، وذلك أن كلمتهم قاطبة فيه على القول بموجب دلائل الإعلان وادعاء العمل بها باشتراط الإشهاد إذ به يحصل الإعلان ، وكلام المبسوط حيث قال : ولأن الشرط لما كان الإظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا وذلك بشهادة الشاهدين فإنه مع شهادتهما لا يبقى سرا . وقول الكرخي : نكاح السر ما لم يحضره شهود ، فإذا حضروا فقد أعلن قال : وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة غير الخفي صريح فيما ذكرناه .

فالتحقيق أنه لا خلاف في اشتراط الإعلان ، وإنما الخلاف بعد ذلك في أن الإعلان المشترط هل يحصل بالإشهاد حتى لا يضر بعده توصيته للشهود بالكتمان إذ لا يضر بعد الإعلان التوصية بالكتمان أو لا يحصل بمجرد الإشهاد حتى يضر ، فقلنا نعم وقالوا لا . ولو أعلن بدون الإشهاد لا يصح لتخلف شرط آخر وهو الإشهاد وعنده يصح . فالحاصل أن شرط الإشهاد يحصل في ضمنه الشرط الآخر ، فكل إشهاد إعلان ولا ينعكس ، كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد




الخدمات العلمية