الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الحيض والاستحاضة ( أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها ، وما نقص من ذلك فهو استحاضة ) [ ص: 161 ] لقوله عليه الصلاة والسلام { أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام } وهو حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير بيوم وليلة . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل . قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع ( وأكثره عشرة أيام ولياليها والزائد استحاضة ) لما روينا ، [ ص: 162 ] وهو حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير بخمسة عشر يوما ثم الزائد والناقص استحاضة ، لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به

[ ص: 160 ]

التالي السابق


[ ص: 160 ] ( باب الحيض )

قيل هو دم ينفضه رحم امرأة سليمة من الداء والصغر ، فقيد الرحم يخرج دم الاستحاضة والجراح ، والسليمة من الداء يخرج النفاس لأن النفساء في حكم المريضة ولذا اعتبر تبرعاتها من الثلث ، وحينئذ لفظ الصغر مستدرك لأن الخارج في الصغر استحاضة ، وقد خرج بالرحم لأنه دم عرق لا رحم ، وأيضا يتكرر إخراج الاستحاضة لأن السليمة من الداء يخرجه كما يخرجه الأول ، وتعريفه بلا استدراك ولا تكرر دم من الرحم لا لولادة ، ثم هذا التعريف بناء على أن مسمى الحيض خبث ، أما إن كان مسماه الحدث الكائن عن الدم المحرم للتلاوة والمس كاسم الجنابة للحدث الخاص لا للماء الخاص ، فتعريفه مانعية شرعية بسبب الدم المذكور عما اشترط فيه الطهارة وعن الصوم والمسجد والقربان والمعرف لخروجه من الرحم بعد خروجه حسا من الفرج مع عدم الصغر والحبل تقدم نصاب الطهر وعدم نقصانه عن الأقل ، وأما زيادته على الأكثر بعد بقية الشروط فالزائد فيه استحاضة

فالامتداد الخاص في غير هذه العوارض معرف له بالضرورة ، وعدم الصغر يعرف بتقدير أدنى مدة يحكم ببلوغها فيها إذا رأت الدم ، واختلف فيها فقيل ست وقيل سبع وقيل تسع وقيل اثنتا عشرة ، والمختار تسع ، وألوانه ما ذكر في الكتاب من الترابية والخضرة نوع من الكدرة . وأما الصفرة فلا شك أنها من ألوانه في سن الحيض . وأما في سن [ ص: 161 ] الإياس .

ففي الفتاوى بنت سبع وخمسين ترى صفرة غير خالصة على الاستمرار ، فإن كان ما ترى مثل لون التبن فحيض ، فإن لم تكن تعرف من أيامها شيئا تغتسل لكل صلاة : وإن كان دون التبن فليس بحيض ، إلا إذا رأته على الاستمرار وليس بصفرة خالصة ، فالظاهر أنه لفساد الرحم وحكمه حرمة الصوم والقربان وما شرط فيه الطهارة ، ويثبت هذا الحكم بالبروز . وعن محمد بالإحساس به وثمرته تظهر فيما لو توضأت ووضعت الكرسف ثم أحست بنزول الدم إليه قبل الغروب ثم رفعته بعده تقضي الصوم عنده خلافا لهما : يعني إذا لم يحاذ حرف الفرج الداخل ، فإن حاذته البلة من الكرسف كان حيضا ونفاسا اتفاقا ، وكذا الحدث بالبول والاحتشاء حالة الحيض يسن للثيب ويستحب للبكر ، وحالة الطهر يستحب للثيب فقط ، ولو وضعته ليلا فلما أصبحت رأت الطهر تقضي العشاء ، فلو كانت طاهرة فرأت البلة حين أصبحت تقضيها أيضا إن لم تكن صلتها قبل الوضع إنزالا لها طاهرة في الصورة الأولى من حين وضعته وحائضا في الثانية حين رفعته أخذا بالاحتياط فيهما .

وأدنى مدة يحكم بإياسها إذا انقطع دمها خمس وخمسون سنة ، وإذا حكم به ثم رأت الدم انتقض ذلك . قال الصدر حسام الدين : هذا إذا كان دما خالصا ، ثم إنما ينتفض به الإياس فيما تستقبل حتى لا تفسد الأنكحة المباشرة قبل المعاودة إن كان على لون الدم ، وإن لم يكن على لون الدم بل صفرة أو خضرة أو كدرة لا ينتقض الحكم بالإياس ، وإذا رأت المبتدأة دما في سن يحكم ببلوغها فيه تركت الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارى . وعن أبي حنيفة لا تترك حتى يستمر ثلاثة أيام ، ويستحب للحائض أن تتوضأ وقت الصلاة وتجلس في مسجد بيتها تسبح وتهلل كي لا تنسى العادة . ( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم ) روى الدارقطني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أقل الحيض للجارية البكر والثيب الثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام ، فإذا زاد فهي مستحاضة } قال الدارقطني : عبد الملك مجهول ، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث ، وأخرج عن عبد الله : يعني ابن مسعود { الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر ، فإذا زاد فهي مستحاضة } وقال : لم يروه عن الأعمش بهذا الإسناد غير هارون بن زياد وهو ضعيف الحديث . وروى ابن عدي في الكامل عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم

[ ص: 162 ] { الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة ، فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة } وأعله بالحسن بن دينار والحديث معروف بالجلد بن أيوب . وروي موقوفا على أنس . وقال ابن عدي في الحسن : لم أر له حديثا جاوز الحد في النكارة وهو إلى الضعف أقرب . وروى الدارقطني عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس قال : هي حائض فيما بينها وبين عشرة ، فإذا زادت فهي مستحاضة . وروى أيضا : حدثنا الحسين بن إسماعيل ، قال : حدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا محمد بن فضيل عن أشعث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال : لا تكون المرأة مستحاضة في يوم ولا يومين ولا ثلاثة حتى تبلغ عشرة ، فإذا بلغت عشرة أيام كانت مستحاضة .

وقال أيضا : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا عبد الوهاب قال : حدثنا هشام بن حسان عن الحسن أن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال : الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي . وعثمان هذا صحابي . وقال أيضا : حدثنا إبراهيم بن حماد قال : حدثنا المخرمي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا حماد بن سلمة : وحدثنا مخلد قال : حدثنا الحامي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن ثابت عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير قال : الحيض ثلاث عشر وأسند مثله عن سفيان . وروى الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث واثلة بن الأسقع عنه صلى الله عليه وسلم { أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام } وضعفه بجهالة محمد بن منهال ، وضعف محمدا بن أحمد بن أنس . وروى ابن عدي في الكامل من حديث معاذ بن جبل عنه صلى الله عليه وسلم { لا حيض دون ثلاثة أيام ولا حيض فوق عشرة أيام } الحديث ، وضعفه بمحمد بن سعيد الشامي رموه بالوضع ، وأخرجه العقيلي عن معاذ عنه صلى الله عليه وسلم من غير طول وأعله بجهالة محمد بن الحسن الصدفي بالنقل .

وروى ابن الجوزي في العلل المتناهية عن الخدري عنه صلى الله عليه وسلم { أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر ، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما } وضعفه بسليمان المكني أبا داود النخعي . فهذه عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة الطرق ، وذلك يرفع الضعيف إلى الحسن والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأي ، فالموقوف فيما حكمه الرفع ، بل تسكن النفس بكثرة ما روى فيه عن الصحابة والتابعين إلى أن المرفوع مما أجاد فيه ذلك الراوي الضعيف . وبالجملة فله أصل [ ص: 163 ] في الشرع ، بخلاف قولهم أكثره خمسة عشر يوما لم نعلم فيه حديثا حسنا ولا ضعيفا ، وإنما تمسكوا فيه بما رووه عنه صلى الله عليه وسلم قال في صفة النساء { تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي } وهو لو صح لم يكن فيه حجة لما نذكر ، لكن قال البيهقي إنه لم يجده ، وقال ابن الجوزي في التحقيق : هذا حديث لا يعرف ، وأقره عليه صاحب التنقيح




الخدمات العلمية