الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس فهي في حكم الأبكار ) لأنها بكر حقيقة لأن مصيبها أول مصيب لها ومنه الباكورة والبكرة ولأنها تستحيي لعدم الممارسة ( ولو زالت ) بكارتها ( بزنا فهي كذلك عند أبي حنيفة ) وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي : لا يكتفى بسكوتها لأنها ثيب حقيقة لأن مصيبها عائد إليها ومنه المثوبة والمثابة والتثويب ، ولأبي حنيفة أن الناس عرفوها بكرا [ ص: 271 ] فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه فيكتفى بسكوتها كي لا تتعطل عليها مصالحها ، بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو بنكاح فاسد لأن الشرع أظهره حيث علق به أحكاما ، أما الزنا فقد ندب إلى ستره ، حتى لو اشتهر حالها لا يكتفى بسكوتها

التالي السابق


( قوله وإذا زالت بكارتها إلخ ) أي إذا زالت بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس وهو أن تصير عانسا : أي نصفا لم تتزوج ، أو خرق استنجاء أو عود أو حمل ثقيل تزوج كالأبكار اتفاقا ، وكذا إذا فارقها الزوج لجب أو عنة أو طلقها قبل الدخول ولو بعد الخلوة ، وهذا مما تخالف حكم الخلوة والدخول ، وكذا إذا مات بعد الخلوة قبل الدخول ; لأنها في هذه الصور كلها بكر حقيقة ; لأنها لم يصبها مصيب ، ولهذا لو أوصى بأبكار بني فلان دخلت هذه ومنع بالجارية تباع على أنها بكر حيث ترد [ ص: 271 ] إذا وجدت زائلة البكارة بوثبة ونحوها ، فلو كانت بكرا لم ترد .

والجواب أن البكر يقال على من لم يصبها مصيب ، ومنه الباكورة لأول الثمار والبكرة لأول النهار ، وعلى العذراء وهي أخص أو هي من لم يصبها مصيب ومن أفراده قائمة العذرة فهو متواطئ ، وحمل على هذا الفرد في البيع المبني على المشاححة فترد لفوات العذرة وهي تلك الجلدة . وعلى الأعم الأوسع في النكاح المبني على التوسعة وشدة التثبت حتى لزم من الهازل والمكره وبصيغة الأمر ، بخلاف البيع . على أنه قد قيل إذا اعترف المشتري بأن زوالها بوثبة لا ترد ، ولأن العادة إرادة العذرة في اشتراط البكارة في البيع فيتقيد بها . وأيضا لو أوصى لأبكار بني فلان دخلت هذه . وأيضا الاستحياء قائم وأنها علة منصوصة فيثبت الحكم في مواضع وجودها بالنص ، وفيه نظر إذ الاستحياء حكمة نص عليها لا يناط الحكم عليها لعدم انضباطها ، ولذا لو فرض أن استحياء من زالت بكارتها بزنا أشد من العذراء لا تزوج كالبكر ، وهذا لأن الحكمة وإن كانت هي المقصودة من شرع الحكم لا يناط بها إذا كان فيها مراتب متفاوتة أو خفاء في تحققها في بعض المحال ، ولا يناط إلا بظاهر ضابط لكل مرتبة وهو المسمى بالمظنة فيثبت الحكم عند ثبوته من غير التفات إلى الحكمة وجدت أو عدمت ، ولو اعتبر هنا حياء البكر ; لأنه هو المنضبط اتحد الحاصل إذ يستلزم قيام البكارة في ثبوت الحكم ، وإن زالت بزنا مشهور أو وطء بشبهة أو نكاح فاسد زوجت كالثيبات اتفاقا ، وإن زالت بزنا غير مشهور فهو محل الخلاف ، فعندهما والشافعي تزوج كالثيب وعنده كالبكر .

وجه قولهما أنها ثيب حقيقة فإن مصيبها عائد إليها ، ومنه المثوبة ; لأنها جزاء عمله يعود إليه ، والمثابة الموضع الذي يرجع إليه حتى تدخل في الوصية للثيبات من بنات فلان . وله أنها عرفت بكرا فتمتنع عن النطق مخافة أن يعلم زناها حياء من ظهوره ، وذلك [ ص: 272 ] أشد من حيائها بكرا من إظهار الرغبة فيثبت الجواز بدلالة نص سكوت البكر ، وهذا يفيد لو كان الحياء مطلقا هو العلة لكنه حياء البكر الصادر عن كرم الطبيعة فلا يلحق به المتنازع فيه . وبه يندفع جواب ما أورد من قوله صلى الله عليه وسلم { لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، والثيب يعرب عنها لسانها } من أنه عام خص منه الثيب المجنونة والأمة فيخص بما ذكرنا من جعل الشارع الحياء علة وهو موجود في المزنية ، ونفس المجيب صرح بعده في مسألة ثبوت الولاية على الثيب الصغيرة بأن الأيم من لا زوج لها وإن كانت بكرا بعدما نقل قول محمد لو أوصى لأيامى بني فلان لا تدخل الأبكار وصحح دخولهن كقول الكرخي ا هـ .

والأولى أن الفرض أن الزنا غير مشهور ، ففي إلزامها النطق دليل المنع من إشاعة الفاحشة في هذه الصورة ، والمنع يقدم عند التعارض فيعمل دليل نطق الثيب فيما وراء هذه ، وأيضا الظاهر من مراد الشارع من البكر المعتبر سكوتها رضا البكر ظاهرا كما هو في أمثاله لا في نفس الأمر ولذا لم يوجب على الولي استكشاف حالها عند استئذانها ، أهي بكر الآن ليكتفي بسكوتها أم لا ؟ اكتفى بالبناء على الأصل الذي لم يظهر خلافا ، والكلام هنا في ثيوبة بزنا لم يظهر فيجب كونها بكرا شرعا ، ولذا قلنا لو ظهر لا يكفي سكوتها




الخدمات العلمية