الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم خيار البكر يبطل بالسكوت ، ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل رضيت أو يجيء منه ما يعلم أنه رضا ، وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ ) [ ص: 282 ] اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح ، وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام لأنه ما ثبت بإثبات الزوج [ ص: 283 ] بل لتوهم الخلل فإنما يبطل بالرضا غير أن سكوت البكر رضا ، بخلاف خيار العتق لأنه ثبت بإثبات المولى وهو [ ص: 284 ] الإعتاق فيعتبر فيه المجلس كما في خيار المخيرة ، ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق لأنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها ، وكذا بخيار العتق لما بينا ، بخلاف المخيرة لأن الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق ( فإن مات أحدهما قبل البلوغ ورثه الآخر ) وكذا إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق لأن أصل العقد صحيح والملك ثابت به وقد انتهى بالموت ، بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت وهاهنا نافذ فيتقرر به .

التالي السابق


( قوله ثم خيار البكر يبطل بالسكوت ) إنما ذكره بعد ما قدم من قوله فسكتت فهو رضا لبيان أن كون سكوتها رضا فيما تقدم هو إذا كانت بكرا فإن العبارة هناك أعم من ذلك ، وليمهد الفرق بينها وبين الغلام والثيب حيث قال ( ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل رضيت أو يجيء منه ما يعلم أنه رضا ) كالوطء ودفع المهر والكسوة والنفقة ، ويحتمل كون دفع المهر رضا إذا لم يكن دخل بها ، أما إن كان دخل بها قبل بلوغه ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا ; لأنه لا بد منه ، أقام أو فسخ ( وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ ) يعني لا يبطل خيارها بالسكوت بعد البلوغ ما لم تقل رضيت ، أو يجيء منها ما يعلم أنه رضا كالتمكين من الوطء وطلب المهر والواجب ( اعتبارا لهذه الحالة ) أي حالة ثبوت الاختيار ( بحالة ابتداء النكاح ) فكما لا يكون سكوتها رضا لو زوجت ثيبا بالغة لا يكون سكوتها رضا حالة ثبوت الخيار وهي ثيب بالغة ، ولو زوجت بكرا بالغة اكتفي بسكوتها فكذا إذا ثبت لها الخيار العلم بالنكاح وهي بكر بالغة ، ولما كان المفهوم من قوله خيار البكر يبطل بالسكوت إنما يقتضي أن خيار الثيب لا يبطل به ولا تعرض فيه لما يبطل به خيار الثيب صرح بمفهومه ليفيد ذلك وهو قوله وكذلك الجارية إلخ [ ص: 282 ]

( قوله وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس ) بل يبطل بمجرد سكوتها والمراد بالمجلس مجلس بلوغها بأن حاضت في مجلس وقد كان بلغها النكاح ، أو مجلس بلوغ خبر النكاح إذا كانت بكرا بالغة ، وجعل الخصاف خيار البكر ممتدا إلى آخر المجلس وهو قول بعض العلماء مال هو إليه ، وهو خلاف رواية المبسوط فإن فيه ثبوت الخيار لها في الساعة التي تكون فيها بالغة إذا كانت عالمة بالنكاح ، وعلى هذا قالوا ينبغي أن تطلب مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب بلسانها فتقول فسخت نكاحي وتشهد إذا أصبحت وتقول رأيت الدم الآن . وقيل لمحمد كيف وهو كذب ، وإنما أدركت قبل هذا ؟ فقال لا تصدق في الإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها ، ثم إذا اختارت وأشهدت ولم تتقدم إلى القاضي الشهر والشهرين فهي على خيارها كخيار العيب . وما ذكر في بعض المواضع من أنها لو بعثت خادمها حين حاضت للشهود فلم تقدر عليهم وهي في مكان منقطع لزمها ولم تعذر ينبغي أن يحمل على ما إذا لم تفسخ بلسانها حتى فعلت . وما قيل لو سألت عن اسم الزوج أو عن المهر أو سلمت على الشهود بطل خيارها تعسف لا دليل عليه .

وغاية الأمر كون هذه الحالة كحالة ابتداء النكاح ، ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها ، وكذا عن المهر وإن كان عدم ذكره لا يبطل كون سكوتها رضا على الخلاف ، فإن ذلك إذا لم تسأل عنه لظهور أنها راضية بكل مهر ، والسؤال يفيد نفي ظهوره في ذلك وأنها يتوقف رضاها على معرفة كميته ، وكذا السلام على القادم لا يدل على الرضا ، كيف وإنما أرسلت لغرض الإشهاد على الفسخ . ولو اجتمع خيار البلوغ والشفعة تقول أطلب الحقين ثم تبدأ في التفسير بخيار البلوغ ، ولو زوج أمته الصغيرة ثم أعتقها ثم بلغت لا يثبت لها خيار البلوغ لكمال ولاية المولى كالأب ولأن خيار العتق يغني عنه ، والعبد الصغير إذا بلغ كذلك في الأصح إلا أنه لا يتصور في حقه خيار العتق فيطلق إن شاء .

( قوله ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام ) ووجهه ظاهر من الكتاب . والحاصل أنها إذا بلغت ثيبا فوقف خيارها العمر ; لأن [ ص: 283 ] سببه عدم الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يدل على الرضا بالنكاح ، وكذا الغلام ، وعلى هذا تظافرت كلماتهم . وما في غاية البيان مما نقل عن الطحاوي حيث قال خيار المدركة يبطل بالسكوت إذا كانت بكرا وإن كانت ثيبا لم يبطل به ، وكذا إذا كان الخيار للزوج لا يبطل إلا بصريح الإبطال أو يجيء منه دليل على إبطال الخيار كما إذا اشتغلت بشيء آخر أو أعرضت عن الاختيار بوجه من الوجوه مشكل ، إذ يقتضي أن الاشتغال بعمل آخر يبطله وهو تقييد بالمجلس ضرورة أن تبدله حقيقة أو حكما يستلزمه ظاهرا . وفي الجوامع : وإن كانت ثيبا حين بلغها أو كان غلاما لم يبطل بالسكوت وإن أقامت معه أياما ، إلا أن ترضى بلسانها أو يوجد ما يدل على الرضا من الوطء أو التمكين منه طوعا أو المطالبة بالمهر أو النفقة وفيها لو قالت كنت مكرهة في التمكين صدقت ولا يبطل خيارها ، وفي الخلاصة : لو أكلت من طعامه أو خدمته فهي على خيارها . لا يقال : كون القول لها في دعوى الإكراه في التمكين مشكل ; لأن الظاهر يصدقها .

( قوله بخلاف خيار العتق ) متصل بقوله لا يمتد إلى آخر المجلس : أي فيمتد خيار العتق إلى آخر المجلس . ووجه الفرق أن خيار العتق ثبت بإثبات المولى ; لأنه حكم العتق الثابت بإثباته فاقتضى جوابا في المجلس كالتمليك في المخيرة . وحاصل وجوه الفرق بين خياري البلوغ والعتق خمسة أوجه : احتياجه إلى القضاء ولو فسخ أحدهما ولم يفسخ القاضي حتى مات ورثة الآخر . وكذا الوطء بعد الفسخ قبل القضاء به ، بخلاف خيار العتق ينفسخ النكاح بمجرد فسخها ، ولا يبطل خيار العتق بالسكوت إلى آخره ، ويبطل خيار البلوغ إذا كان من جهة المرأة وهي بكر ، بخلاف الغلام والثيب ; لأن السكوت لم يجعل في حقهما رضا . ويثبت خيار البلوغ لكل من الذكر والأنثى ، بخلاف خيار العتق لو زوج عبده ثم أعتقه لا خيار له ; لأن خيار العتق لدفع ضرر زيادة الملك وهو منتف في الذكر ، وخيار البلوغ لما ينشأ عن قصور الشفقة وهو يعمهما لا يقال : الغلام يتمكن بعد البلوغ من التخلص بالطريق المشروع للذكران وهو الطلاق فلا حاجة إلى إثبات الخيار ، وما ثبت الخيار إلا للحاجة ; لأنا نقول : لا يتخلص عن نصف المهر بالطلاق وإن كان قبل الدخول بل يلزمه . وهنا إذا قضى القاضي بالفرقة قبل الدخول لا يلزمه شيء ، وأما بعده فيلزمه كله ، لكن لو تزوجها بعد ذلك ملك عليها الثلاث . وفي الجوامع : إذا بلغ الغلام فقال فسخت ينوي الطلاق فهي طالق بائن ، وإن نوى الثلاث فثلاث وهذا أحسن ; لأن لفظ الفسخ يصلح كناية عن الطلاق . والرابع أن الجهل بثبوت الخيار شرعا معتبر في خيار العتق دون البلوغ . والخامس أن خيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس ، ولا يبطل خيار البلوغ في الثيب والغلام وتقبل شهادة الموليين على اختيار أمتهما التي زوجاها نفسها إذا أعتقاها ، ولا تقبل شهادة العاصبين المزوجين بعد البلوغ أنها اختارت نفسها ; لأن سبب الرد قد انقطع في الأولى بالعتق ولم ينقطع في الثانية إذ هو النسب وهو باق

[ ص: 284 ] قوله ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق ) بل فسخ لا ينقص عدد الطلاق فلو جددا بعده ملك الثلاث ( وكذا بخيار العتق لما بينا ) من أنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها ، ومن أنه يثبت بإثبات المولى ولا طلاق إليه ، وكذا الفرقة بعدم الكفاءة ونقصان المهر فسخ ( بخلاف خيار المخيرة ) لما ذكره فيقع الطلاق باختيارها نفسها ; لأنه إنما ملكها ما يملكه وهو الطلاق ولو وقعت هذه الفرقة قبل الدخول لا يجب نصف المسمى ، بخلاف الطلاق قبل الدخول .

وهل يقع الطلاق في العدة إذا كانت هذه الفرقة بعد الدخول : أي الصريح أو لا ؟ لكل وجه ، والأوجه الوقوع




الخدمات العلمية