الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة ) لقوله تعالى { ومتعوهن على الموسع قدره } الآية [ ص: 326 ] ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر ، وفيه خلاف مالك ( والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها ) وهي درع وخمار وملحفة . وهذا التقدير مروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما . وقوله من كسوة مثلها [ ص: 327 ] إشارة إلى أنه يعتبر حالها وهو قول الكرخي في المتعة الواجبة لقيامها مقام مهر المثل . والصحيح أنه يعتبر حاله عملا بالنص وهو قوله تعالى { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } ثم هي لا تزاد على نصف مهر مثلها ولا تنقص [ ص: 328 ] عن خمسة دراهم ، ويعرف ذلك في الأصل

التالي السابق


( قوله ثم هذه المتعة ) أي متعة المطلقة قبل الدخول التي لم يفرض لها مهر في العقد ( واجبة ) عندنا وعند الشافعي وأحمد وخصها احترازا عن غيرها من النساء فإن المتعة لغيرها مستحبة إلا لمن سنذكر . وقوله ( رجوعا إلى الأمر ) هو قوله تعالى { ومتعوهن } عقيب قوله { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } أي ولم تفرضوا لهن فريضة فانصرف إلى المطلقات قبل الفرض والمسيس ، بخلاف المدخول بها فإن المتعة مستحبة لها فرض لها أو لا ( قوله وفيه خلاف مالك ) فمذهبه استحباب المتعة في هذه الصورة وغيرها من الصور إلا المطلقة قبل الدخول بعد الفرض إلا أن تجيء الفرقة من جهتها في جميع الصور .

ووجه قوله تعليقه بالمحسن : أعني الأمر المذكور لقوله سبحانه عقيبه { حقا على المحسنين } وهم المتطوعون ، فيكون ذلك قرينة صرف الأمر المذكور إلى الندب . والجواب منع قصر المحسن على المتطوع بل هو أعم منه ومن القائم بالواجبات أيضا فلا ينافي الوجوب فلا يكون صارفا للأمر عن الوجوب مع ما انضم إليه من لفظ حقا وعلى ( قوله والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها وهي درع وخمار وملحفة ) قدر بها ; لأنها اللبس الوسط ; لأنها تصلي وتخرج غالبا فيها .

وفي المبسوط : أدنى المتعة درع وخمار وملحفة ( وهذا التقدير مروي عن عائشة وابن عباس ) ومن بعدهم [ ص: 327 ] سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي ، وحيث قدروها به مع فهم اللغة يعرف منه أن لفظ متعة لا يقال في إعطاء الدراهم بل فيما سواها من الأثاث والأمتعة ، وهو المتبادر إلى الفهم أيضا فلا تقدر بالدراهم وإن لم يمتنع أن يقع على الدراهم أيضا ; لأن الشأن في المتبادر من اللفظ ، وعن الشافعي تقديرها بثلاثين ، ولا باجتهاد الحاكم وإنما يجتهد ليعرف حال من يعتبر بحاله من الزوجين أو حالهما ; لأن الأثواب معتبرة بحالهما على ما هو الأشبه بالفقه ; لأن في اعتبار حاله تسوية بين الشريفة والخسيسة وهو منكر بين الناس .

وقيل يعتبر حالها وهو الذي يشير إليه قول القدوري من كسوة مثلها ، وهو قول الكرخي لقيام هذه المتعة مقام مهر المثل فإنها إنما تجب عند سقوطه وفيه يعتبر حالها فكذا في خلقه ، وهكذا في النفقة والكسوة ، فإن كانت من السفل فمن الكرباس ، وإن كانت وسطا فمن القز ، وإن كانت مرتفعة الحال فمن الإبريسم .

وإطلاق الذخيرة كونها وسطا لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة لا يوافق رأيا من الثلاثة الاعتبار بحاله أو حالها أو حالهما . وقيل يعتبر حاله وهو اختيار المصنف ، وصححه عملا بالنص وهو قوله تعالى { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } وقد يقال : إن هذا يناقض قولهم إن المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل ; لأنها خلفه ، فإن كانا سواء فالواجب المتعة ; لأنها الفريضة بالكتاب العزيز ، وإن كان نصف مهر المثل أقل من المتعة فالواجب الأقل إلا أن ينقص عن خمسة فيكمل لها الخمسة ، وهذا كله نص الأصل والمبسوط وهو صريح في اعتبار حالها ، وهذا ; لأن مهر المثل هو العوض الأصلي لكنه تعذر تنصيفه لجهالته فيصار إلى المتعة خلفا عنه فلا تجوز الزيادة على نصف المهر ولا ينقص عن الخمسة ; لأن أقل المهر عشرة .

ومنع الشافعي اعتبار المتعة بمهر المثل ; لأنه سقط بالطلاق قبل الدخول فلا معنى لاعتباره بعد ذلك . أجيب بأن النكاح الذي فيه التسمية بالمال أقوى من نكاح لا تسمية فيه . وفي الأقوى لا يجب بالطلاق قبل الدخول أكثر من نصف ما كان واجبا قبله ، فكذا في النكاح الذي لا تسمية فيه ، وكان الواجب قبل الدخول مهر المثل فلا يزاد بالطلاق قبل الدخول على نصفه ، ثم لا تجب المتعة إلا إذا كانت الفرقة من جهته كالفرقة بالطلاق والإيلاء واللعان والجب والعنة وردته وإبائه وتقبيله أمها أو ابنتها بشهوة ، وإن جاءت الفرقة من جهتها فلا تجب كردتها وإبائها الإسلام وتقبيلها ابنه بشهوة والرضاع وخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة ، وكما لا تجب المتعة بسبب مجيء الفرقة من قبلها [ ص: 328 ] لا تستحب لها أيضا لجنايتها ، ومقتضى هذا أن لا تستحب في خيارها فينبغي أن يقال لجنايتها أو رضاها به واستحباب المتعة لإيحاشها بالطلاق ، وكذا لو فسخه بخيار البلوغ أو اشترى هو أو وكيله منكوحة أو باعها المولى من رجل ثم اشتراها منه الزوج تجب المتعة ، وفي كل موضع لا تجب فيه المتعة عند عدم التسمية لا يجب نصف المسمى عند وجودها ، وفي كل موضع تجب فيه يجب ، والواجب بالعقد هو المسمى أو مهر المثل إن لم يسم ، ثم بالطلاق قبل الدخول يسقط نصفه ، وقيل كله ، ثم يجب النصف بطريق المتعة




الخدمات العلمية