الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطؤها حتى تغتسل ) لأن الدم

[ ص: 171 ] يدر تارة وينقطع أخرى ، فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع ( ولو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة حل وطؤها ) لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها فطهرت حكما .

( ولو كان انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث لم يقربها حتى تمضي عادتها وإن اغتسلت ) لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب ( وإن انقطع الدم لعشرة أيام حل وطؤها قبل الغسل ) لأن الحيض لا مزيد له على العشرة

[ ص: 172 ] إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد

التالي السابق


( قوله وإذا انقطع دم الحيض ) حاصله إما أن يقطع لتمام العشرة ، أو دونها لتمام العادة ، أو دونها . ففي الأول يحل وطؤها بمجرد الانقطاع ، وفي الثالث لا يقربها وإن اغتسلت ما لم تمض عادتها ، وفي الثاني إن اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة يعني خرج وقت الصلاة حتى صارت دينا في ذمتها حل وإلا لا ، وعلى هذا التفصيل انقطاع النفاس إن كان لها عادة فيها فانقطع دونها لا يقربها حتى تمضي عادتها بالشرط ، أو لتمامها حل إذا خرج الوقت الذي طهرت فيه ، أو لتمام الأربعين حل مطلقا . وجه الأول أن في الآية قراءتين يطهرن يطهرن بالتخفيف والتشديد ، ومؤدى الأولى انتهاء الحرمة العارضة على الحل بالانقطاع مطلقا ، وإذا انتهت الحرمة العارضة على الحل حلت بالضرورة

. ومؤدى الثانية عدم انتهائها عنده بل بعد الاغتسال فوجب الجمع ما أمكن . فحملنا الأولى على الانقطاع لأكثر المدة ، والثانية عليه لتمام العادة التي ليست أكثر مدة الحيض ، وهو المناسب لأن في توقيف قربانها في الانقطاع للأكثر على الغسل إنزالها حائضا حكما وهو مناف لحكم الشرع عليها بوجوب الصلاة المستلزم إنزاله إياها طاهرة قطعا ، بخلاف تمام العادة فإن الشرع لم يقطع عليها بالطهر بل يجوز الحيض بعده ، ولذا لو زادت ولم يجاوز العشرة كان الكل حيضا بالاتفاق على ما نحققه . بقي أن مقتضى الثانية ثبوت الحرمة قبل الغسل فرفع الحرمة قبله بخروج الوقت معارضة للنص بالمعنى . والجواب أن القراءة الثانية خص منها صورة الانقطاع للعشرة بقراءة التخفيف فجاز أن تخص ثانيا بالمعنى ، وعلم مما ذكرنا أن المراد بأدنى وقت الصلاة أدناه الواقع آخرا : أعني أن تطهر في وقت منه إلى خروجه قدر الاغتسال والتحريم لا أعم من هذا ومن أن تطهر في أوله ويمضي منه هذا المقدار لأن هذا لا ينزلها طاهرة شرعا كما رأيت بعضهم يغلظ فيه : أي يرى أن تعليلهم بأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمتها وذلك بخروج الوقت ولذا لم يذكر غير واحد لفظة أدنى .

وعبارة الكافي أو تصير الصلاة دينا في ذمتها بمضي أدنى وقت صلاة بقدر الغسل والتحريمة بأن انقطعت في آخر الوقت . وجه الثالث ظاهر من الكتاب غير أنه خلاف إنهاء الحرمة بالغسل الثابت بقراءة التشديد فهو مخرج منه بالإجماع .

وفي التجنيس : مسافرة طهرت من الحيض فتيممت ثم وجدت ماء جاز للزوج أن يقربها لكن لا تقرأ القرآن لأنها لما تيممت خرجت من الحيض ، فلما وجدت الماء فإنما وجب عليها الغسل فصارت كالجنب هذا في حق القربان أما في حق الصلاة : ففي الخلاصة : إذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت حين تخاف فوت الصلاة وصلت واجتنب زوجها قربانها احتياطا حتى تأتي على عادتها لكن تصوم احتياطا ، ولو كانت هذه الحيضة هي الثالثة انقطعت الرجعة احتياطا ولا تتزوج بزوج آخر احتياطا فإن تزوجها رجل ، إن لم يعاودها الدم جاز ، وإن عاودها إن كان في العشرة ولم يزد على العشرة فسد نكاح الثاني ، وكذا صاحب الاستبراء يجتنبها احتياطا انتهى . ومفهوم التقييد بقوله ولم يزد على العشرة أنه إذا زاد لا يفسد ، ومراده إذا كان العود بعد

[ ص: 171 ] انقضاء العادة أما قبلها فيفسد وإن زاد لأن الزيادة توجب الرد على العادة . والفرض أنه عاودها فيها فيظهر أن النكاح قبل انقضاء الحيضة هذا . وقد قدمت ما عندي من التردد في الانقطاع بدون القصة ثم التأخير إلى آخر الوقت بعد الانقطاع لما دون العادة واجب ، فلو انقطع لتمامها تغتسل أيضا في آخر الوقت لكن هذا التأخير استحباب ويأتيها زوجها ولا تنتظر تمام العشرة . وفي الخلاصة : وكذا إذا كان هذا أول ما رأت وانقطع الحيض على خمسة والنفاس على عشرين واغتسلت تثبت جميع هذه الأحكام . واعلم أن مدة الاغتسال معتبرة من الحيض في الانقطاع لأقل من العشرة وإن كان تمام عادتها ، بخلاف الانقطاع للعشرة حتى لو طهرت في الأول والباقي قدر الغسل والتحريمة فعليها قضاء تلك الصلاة .

وفي النوادر : إن كان أيامها عشرة فطهرت وبقي قدر ما تتحرم لزمها الفرض ولا يشترط إمكان الاغتسال ، وأجمعوا أنها لو طهرت وقد بقي ما لا يسع التحريمة لا يلزمها ، ومتى طرأ الحيض في أثناء الوقت سقطت تلك الصلاة ولو بعد ما افتتحت الفرض ، بخلاف ما لو طرأ وهي في التطوع حيث يلزمها قضاء تلك الصلاة ، هذا مذهب علمائنا . وعند زفر إذا طرأ والباقي قدر الصلاة لم يجب قضاؤها وإن كان الباقي أقل وجب بناء على أن السببية تنتقل عندنا إلى آخر جزء من الوقت ، وعنده تستقر على الجزء الذي منه إلى آخر الوقت مقدار الأداء فيعتبر عندنا حال المكلف عند آخر الوقت ، وعنده عند ذلك الجزء لأنه موضع توجه الخطاب بالأداء ، [ ص: 172 ] فإذا وجد وهي طاهرة وجبت ، وبعد الوجوب لا تسقط بعروض الحيض فتقضيها ، وإذا وجد وهي حائض لم تجب ، وبناء على أن الوجوب بآخر الوقت لو بلغ صبي باحتلام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر المختار أن عليه قضاء العشاء وإن كان صلاها قبل النوم وهي واقعة محمد سألها أبا حنيفة فأجابه بهذا وقيل ليس عليه ، والاتفاق أنه إذا استيقظ قبل الفجر أو معه تلزمه العشاء




الخدمات العلمية