الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا ) وقال الشافعي : تجب لكل مطلقة إلا لهذه ; لأنها وجبت صلة من الزوج ; لأنه أوحشها [ ص: 336 ] بالفراق ، إلا أن في هذه الصورة نصف المهر طريقة المتعة ; لأن الطلاق فسخ في هذه الحالة والمتعة لا تتكرر [ ص: 337 ] ( ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة ) ; لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة ، والعقد يوجب العوض فكان خلفا والخلف لا يجامع الأصل ولا شيئا منه [ ص: 338 ] فلا تجب مع وجوب شيء من المهر ، وهو غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به فكان من باب الفضل .

التالي السابق


( قوله وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول وقد سمى لها مهرا ) وفي كل من الصدر والاستثناء إشكال . أما الأول فإن المطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها مهرا داخلة في عمومه والمتعة واجبة لها . وأما الثاني فالمطلقة قبل الدخول المفروض لها ذكر في المبسوط والمحيط والمختلف والحصر أن المتعة تستحب لها . وأجيب عن الأول أن الاستحباب مستعمل في أعم من الوجوب : يعني أنه بالمعنى اللغوي أو هو عام مخصوص بالصورة السابقة ، وقرينة التخصيص هو تقدم ذكرها فكأنه قال : وتستحب لكل مطلقة غير تلك . وعن الثاني أنه قول القدوري تبعه فيه .

وفي بعض مشكلات القدوري المتعة أربعة أقسام : واجبة وهي ما تقدم ، ومستحبة وهي التي طلقها بعد الدخول ولم يسم لها مهرا ، وسنة وهي التي طلقها بعد الدخول وقد سمى لها المهر ، والرابعة ليست بواجبة ولا سنة ولا مستحبة وهي التي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا ; لأن نصف المهر ثابت لها فيقوم مقام المتعة .

وقيل الصحيح أن هنا تغييرا وقع من الكاتب ، فذكر بعضهم أن في بعض النسخ ولم يسم لها مهرا ، ونقل في الدراية ضبطه كذلك عن غير واحد ( قوله وقال الشافعي رحمه الله : تجب لكل مطلقة إلا لهذه ) وعن أحمد رواية كقوله ورواية كقولنا وتقدم تفصيل مالك . [ ص: 336 ] وجه قول الشافعي أنها في المطلقة قبل الدخول ، والتسمية واجبة اتفاقا بالنص . وأما في المدخول بها فلأن وجوب المتعة الواجبة في صورة عدم التسمية للإيحاش بالطلاق ، وما سلم لها من المهر ليس في مقابلته بل في مقابلة البضع فتجب دفعا للإيحاش .

وأما التي لم يدخل بها وقد سمى لها فوجوب نصف المهر الثابت لها بقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } بطريق المتعة : أي بطريق إيجاب المتعة في غيرها وهو جبر صدع الإيحاش لا المهر لعدم استيفاء منافع بضعها فلا تجب متعة أخرى وإلا تكررت .

وقوله فسخ مجازا ; لأنه وقع طلاقا حتى انتقص به عدد الطلاق ، لكنه كالفسخ من جهة أنه كالحالة السابقة على النكاح بسبب عود المعقود عليه سالما إليها فلا يلزم كون ما ذكر على قول من قال يسقط كل المهر بهذا الطلاق ; لأنه فسخ ، ثم يجب بطريق المتعة مخالفا لقول المحققين إنه يبقى نصف المهر ويسقط نصفه بالنص .

وله أيضا قوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } خص منها تلك المطلقة بنص { فنصف ما فرضتم } جعله تمام حكمها ، وبه يحمل قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات } إلى قوله فمتعوهن على غير المفروض لها لعقلية أن نصف مهرها [ ص: 337 ] بطريق المتعة ( قوله ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة ) بكسر الواو المشددة وقع به السماع ; لأنها مفوضة أمر نفسها لوليها وللزوج ، ويجوز فتحها : أي فوضها وليها للزوج وهي التي زوجت بلا مهر مسمى .

وحاصله منع كون علة الوجوب في الأصل وهي المفوضة الإيحاش ، وأبطل مناسبته للعلية آخرا بقوله وهو غير جان في الإيحاش ; لأنه بإذن الشرع بل الوجوب فيها تعويض عما كان واجبا لها من نصف مهر المثل ; لأنه أقرب إلى فهم من علم أنه تعالى أسقط ما كان واجبا لها ثم أوجب لها شيئا آخر مكانه ، وعلم أن لا جناية في الطلاق بل قد يكون مستحبا في التي لا تصلي والفاجرة ، ولا سقوط في المدخول بها مطلقا فلا تجب لانتفاء العلة المساوية ، ولا نسلم أن ما سلم للمدخول بها في مقابلة البضع بل بقبولها العقد على نفسها الملصق به المال في قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } ولهذا كان لها المطالبة به قبل الدخول ، غير أن بالدخول يتقرر ما كان على شرف السقوط وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } إما أن اللام للعهد الذكري في المطلقات التي لم يسم لهن مهر ; لأنهن تقدم ذكرهن بقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } ثم قال { ومتعوهن } أو يراد بمتعوهن إيجاب نفقة العدة وكسوتها ، وأما غير المدخول بها المسمى لها فمحل الاتفاق ، [ ص: 338 ] وإنما أثبتنا الاستحباب في المدخولات لقوله تعالى { أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } وهن مدخولات




الخدمات العلمية