الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم المتوالي ) قال رضي الله تعالى عنه : وهذه إحدى الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة ، وعن أبي يوسف رحمه الله وهو روايته عن أبي حنيفة ، وقيل هو آخر أقواله أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل ، وهو كله كالدم المتوالي لأنه طهر فاسد فيكون بمنزلة الدم ،

[ ص: 173 ] والأخذ بهذا القول أيسر ، وتمامه يعرف في كتاب الحيض

[ ص: 174 ] ( وأقل الطهر خمسة عشر يوما ) هكذا نقل عن إبراهيم النخعي وأنه لا يعرف إلا توقيفا ( ولا غاية لأكثره ) لأنه يمتد إلى سنة وسنتين فلا يتقدر بتقدير إلا إذا استمر بها الدم فاحتيج إلى نصب العادة ،

[ ص: 175 ] ويعرف ذلك في كتاب الحيض

التالي السابق


( قوله وهذه إحدى الروايات عن أبي حنيفة ) هي رواية محمد عنه ، ومقتضاها أن لا يبدأ الحيض بالطهر ولا يختم به ، فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشرة حيض يحكم ببلوغها به ولو كانت معتادة فرأت قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شيء منه حيضا . وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه يعتبر أن يكون الدم في العشر ثلاثة أيام وهو قول زفر . وروى أبو يوسف عنه وبه أخذ أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر لا يفصل . وقيل هو آخر أقوال أبي حنيفة وعليه الفتوى . ومقتضاه جواز افتتاح الحيض واختتامه بالطهر ولا بد من احتواش الدم بالطرفين ، فلو رأت مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما كانت العشرة الأولى حيضا يحكم ببلوغها به ، ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كان عادتها العشرة ، فإن كانت أقل ردت إلى أيامها . وقال محمد : الطهر المتخلل إن نقص عن ثلاثة أيام ولو بساعة لا يفصل فإن كان ثلاثة فصاعدا ، فإن كان مثل الدمين أو أقل فكذلك تغليبا للحرمات ، وإن كان أكثر فصل ثم ينظر إن كان في أحد الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فهو حيض

[ ص: 173 ] والآخر استحاضة ، وإن لم يمكن فالكل استحاضة ، ولا يمكن كون كل من المحتوشين حيضا لكون الطهر حينئذ أقل من الدمين إلا إذا زاد على العشرة ، فحينئذ يمكن فيجعل الأول حيضا لسبقه لا الثاني ، ومن أصله أن لا يبدأ الحيض بالطهر ولا يختم به . وفي بعض النسخ أن الفتوى على قول محمد والأول أولى . واختلف المشايخ على قوله فيما إذا اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما حيضا لاستواء الدم بطرفيه حتى صار كالدم المتوالي ، فقيل يتعدى حكمه إلى الطرف الأخير حتى يصير الكل حيضا ، وقيل لا يتعدى . قال في المحيط : هو الأصح . مثاله : رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فعلى الأول الكل حيض لأن الطهر الأول دم لاستوائه بدميه فكأنها رأت ستة دما وأربعة طهرا ، وعلى الثاني الستة الأولى حيض فقط .

[ فرع ]

على هذه الأصول رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويوما دما ، فعند أبي يوسف العشرة الأول حيض إن كانت عادتها ، أو مبتدأة لأن الحيض يختم بالطهر ، وإن كانت معتادة فعادتها فقط لمجاوزة الدم العشرة ، وعلى قول محمد الأربعة الأخيرة فقط لأنه تعذر جعل العشرة حيضا لاختتامها بالطهر وتعذر جعل ما قبل الطهر الثاني حيضا لأن الغلبة فيه للطهر فطرحنا الدم الأول ، والطهر الأول يبقى بعده يوم دم ويومان طهر ويوم دم والطهر أقل من ثلاثة فجعلنا الأربعة حيضا . وعند زفر : الثمانية حيض لاشتراطه كون الدم ثلاثة في العشرة ولا يختم عنده بالطهر وقد وجد أربعة دما ، وكذلك هو أيضا على رواية محمد عن أبي حنيفة لخروج الدم الثاني عن العشرة .

[ ص: 174 ] فرع آخر ]

عادتها عشرة فرأت ثلاثة وطهرت ستة عند أبي يوسف لا يجوز قربانها ، وعند محمد يجوز لأن المتوهم بعده من الحيض يوم والستة أغلب من الأربعة فيجعل الدم الأول فقط حيضا ، بخلاف قول أبي يوسف ، ولو كانت طهرت خمسة وعادتها تسعة ، اختلفوا على قول محمد ، قيل لا يباح قربانها لاحتمال الدم في يومين آخرين وقيل يباح وهو الأولى لأن اليوم الزائد موهوم لأنه خارج العادة ، وفي نظم ابن وهبان إفادة أن المجيز للقربان يكرهه ( قوله وأقل الطهر خمسة عشر يوما ) لقوله صلى الله عليه وسلم { أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة أيام وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما } ذكره في الغاية وعزاه قاضي القضاة أبو العباس إلى الإمام ، وتقدم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في العلل المتناهية ، قيل وأجمعت الصحابة عليه ولأنه مدة اللزوم فكان كمدة الإقامة ( قوله لأنه قد يمتد سنة وسنتين ) وقد لا تحيض أصلا فلا يمكن تقديره إلا إذا استمر بها الدم واحتيج إلى نصب العادة

[ ص: 175 ] إما بأن بلغت مستحاضة ، وإما بأن بلغت برؤية عشرة مثلا دما وستة طهرا ثم استمر بها الدم أو كانت صاحبة عادة فاستمر بها الدم ونسيت عدد أيامها وأولها وآخرها ودورها ، أما الأولى فيقدر حيضها بعشرة من كل شهر وباقيه طهر فشهر عشرون وشهر تسعة عشر وهي التي ستأتي ، وأما الثانية فقال أبو عصمة والقاضي أبو حازم : حيضها ما رأت وطهرها ما رأت ، فتنقضي عدتها بثلاث سنين وثلاثين يوما ، وهذا بناء على اعتباره للطلاق أول الطهر . والحق أنه إن كان من أول الاستمرار إلى إيقاع الطلاق مضبوطا فليس هذا التقدير بلازم لجواز كون حسابه يوجب كونه أول الحيض فيكون أكثر من المذكور بعشرة أيام ، أو آخر الطهر فيه يقدر بسنتين وأحد وثلاثين أو اثنين أو ثلاثة وثلاثين ونحو ذلك . وإن لم يكن مضبوطا فينبغي بأن تزاد العشرة إنزالا له مطلقا أول الحيض احتياطا . وأما الثالثة فيجب أن تتحرى وتمضي على أكبر رأيها ، فإن لم يكن لها رأي وهي المحيرة لا يحكم لها بشيء من الحيض والطهر على التعيين ، بل تأخذ بالأحوط في حق الأحكام فتجتنب ما يجتنبه الحائض من القراءة والمس ودخول المسجد وقربان الزوج ، وتغتسل لكل صلاة فتصلي به الفرض والوتر ، وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط ، وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان ، وإن حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان ، ثم تقضي خمسة وعشرين يوما

[ ص: 176 ] لاحتمال كونها حاضت من أوله عشرة ومن آخره خمسة أو بالعكس ، ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرة فتسلم خمسة عشر بيقين .

وهل يقدر لها طهر في حق العدة ؟ اختلفوا فيه ، فمنهم من لم يقدر لها طهرا ولا تنقضي عدتها أبدا منهم أو عصمة والقاضي أبو حازم لأن التقدير لا يجوز إلا توقيفا ، ومنهم من قدره فالميداني بستة أشهر إلا ساعة لأن الطهر بين الدمين أقل من أدنى مدة الحبل عادة فنقصنا عنه ساعة فتنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لاحتمال أنه طلقها أول الطهر . قيل وينبغي أن تزاد عشرة لمثل ما قلنا . وعن محمد بن الحسن شهران وهو اختيار أبي سهل ، وقال محمد بن مقاتل : سبعة وخمسون يوما لأنه إذا زاد عليه لم يبق ما يمكن كونه حيضا ، وقال الزعفراني : سبعة وعشرون يوما لأن الشهر في الغالب مشتمل على الحيض والطهر ، وذكر برهان الدين عمر بن علي بن أبي بكر أن الفتوى على قول الحاكم الشهيد وهو المروي عن محمد وهو التقدير بشهرين




الخدمات العلمية