الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال المولى طلقها أو فارقها فليس هذا بإجازة ) لأنه يحتمل الرد لأن رد هذا العقد ومتاركته يسمى طلاقا ومفارقة [ ص: 393 ] وهو أليق بحال العبد المتمرد أو هو أدنى فكان الحمل عليه أولى ( وإن قال : طلقها تطليقة تملك الرجعة فهو إجازة ) لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح فتتعين الإجازة .

التالي السابق


. ( قوله وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له طلقها أو فارقها فليس ذلك بإجازة ) تزويج العبد نفسه بلا إذن عقد فضولي في الجملة فيتوقف نفاذه على إذن المولى ، وإذنه يثبت تارة صريحا [ ص: 393 ] وطورا دلالة ، فالصريح مثل أن يقول رضيت أو أجزت أو أذنت ، والدلالة أن يسوق إليها المهر أو بعضه ، وسكوته لا يكون إجازة وثم ألفاظ اختلف فيها وألفاظ لم يختلف في عدم اعتبارها ; فمثل قوله هذا حسن أو صواب أو نعم ما صنعت أو بارك الله لك فيها أو أحسنت أو أصبت أو لا بأس بها اختلف فيها . قال الفقيه أبو القاسم : ليس شيء منها إجازة . واختيار الفقيه أبي الليث وبه كان يفتي الصدر الشهيد أنه إجازة ما لم يعلم أنه قاله استهزاء .

إذا عرف هذا فمسألة الكتاب وهو ما إذا قال طلقها لا شك أن مقتضى حقيقة اللفظ فيها الإجازة ; لأن الطلاق الصحيح فرع وجود النكاح الصحيح ، لكن قد صرف عن مقتضاه بالنظر إلى حال العبد ، وذلك أن افتيات العبد على سيده تمرد بمباشرة سبب تعييبه عليه يستوجب به زجره وبه فارق الفضولي المحض فإنه معين والإعانة تنتهض سببا لإمضاء تصرفه وعدم إلغائه ، ولذا لو قال للفضولي طلقها كان إجازة على ما هو الأوجه ، وإن قلنا أول المسألة في العبد أنه فضولي في الجملة ، وإذا كان حال العبد ذلك فإذا كان لفظ السيد له عند علمه بما صنع يحتمل الرد والإجازة لاستعماله فيهما كان بملاحظة حال العبد ظاهرا في قصد الرد ما لم يعلم قصد الإجارة لظاهر يقترن به أو نص آخر مثل أن يقول طلقها تطليقة تملك عليها الرجعة أو أوقع عليها الطلاق ; لأن الإيقاع والطلاق الذي يملك الرجعة بعده لا يقالان للمتاركة ولا في قصد الاستهزاء فيفيد قصد حقيقته ، بخلاف قوله طلقها فإنه لا يقال لمتاركة العقد الفاسد طلاق مجازا فصلحت هذه المسألة متمسكا لأبي القاسم ومن قال بقوله .

والجواب أن لفظ الطلاق المجرد يستعمل كثيرا في المتاركة في العقد الفاسد فكان ذكره ذكر لفظ مشترك من حيث الاستعمال بين الإجازة والرد ، بخلاف ما تقدم من نحو أحسنت إلخ فإنه لم يستعمل للأمرين على السواء بل الظاهر منه الإجازة وحمله على الرد لا يتحقق إلا بواسطة جعله استهزاء ، وهو وإن كان النظر إلى حال العبد لا ينافيه لكن ظاهر حال العاقل المسلم ينفيه ; لأن حقيقته فعل الجاهلين ، ولذا قال موسى عليه السلام في جواب قولهم { أتتخذنا هزوا } { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } .

فتعارض الظاهران وبقي نفس اللفظ بمفهومه يفيد الإجازة بلا معارض ، بخلاف مسألة الكتاب فإن نفس اللفظ يقال للرد كما يقال لحقيقة الطلاق المستعقب لصحة النكاح ، ولذا لم يستعمل المقيد أعني قوله طلقها تطليقة تملك الرجعة عليها أو أوقع عليها الطلاق في المتاركة جعل إجازة فوجب ترجيح قول الفقيه ومن معه ما لم يعلم قصد الاستهزاء ، لكن المصنف لما لم يوجبه إلا بأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح أفاد أنه يثبت اقتضاء فورد عليه طلب الفرق بينه وبين ما لو قال لعبده كفر عن يمينك بالمال أو تزوج [ ص: 394 ] أربعا لا يعتق مع أن كلا منهما لا يكون إلا بعد الحرية . وأجيب بأن إثبات الشرائط التي هي أصول لا تكون بطريق الاقتضاء كالحرية والأهلية للمتحقق بالرق وليس ما نحن فيه كذلك ; لأن النكاح ثابت للعبد بطريق الأصالة لثبوته تبعا للآدمية والعقل ، وإنما توقف لاستلزامه تغيب مال الغير ، فقوله طلقها رجعيا يتضمن رفع المانع اقتضاء لا إثبات ملك النكاح بطريق الأصالة ، والمملوكية شرط العتق .

وقوله أعتق عبدك عني بألف يثبت به تحويل المملوكية إليه لا أصلها في العبد ، ومملوكيته في العبد أمر زائد على مملوكيته . وعلى تقريرنا لا يحتاج إلى تكلف هذا السؤال وجوابه . ولو أذن له السيد بعد ما تزوج لا يكون إجازة ، فإن أجاز العبد ما صنع جاز استحسانا كالفضولي إذا وكل فأجاز ما صنعه قبل الوكالة وكالعبد إذا زوجه فضولي فأذن له مولاه في التزوج فأجاز ما صنعه الفضولي . ولو باع السيد العبد بعد أن باشر بلا إذن فللمشتري الإجازة . وقال زفر : يبطل ، وكذا لو مات السيد فورث العبد توقف على إجازة الوارث ، أما إذا كانت أمة فتزوجت بلا إذن ثم مات المولى فورثها من يحل له وطؤها بطل لطريان الحل النافذ على الموقوف ، وإن ورثها من لا يحل له وطؤها كأن ورثها جماعة أو امرأة أو ابن المولى وقد كان الأب وطئها توقف على إجازة الوارث . وعلى هذا قالوا في أمة تزوجت بغير إذن مولاها فوطئها الزوج فباعها المولى للمشتري الإجازة ; لأنه لا يحل له وطؤها ; لأن وطء الزوج يحرمها ; لأنها صارت معتدة ، فإذا حاضت بطل العقد لحلها للمشتري ، ولو كان الزوج لم يطأها بطل العقد بمجرد الشراء لطريان الحل البات على الموقوف . وقال زفر : يبطل بالموت وبالبيع . وأصله أن الموقوف على إجازة إنسان يحتمل الإجازة من غيره ، وعنده لا ; لأنه إنما كان موقوفا على الأول فلا يفيد من الثاني . قلنا : إنما يتوقف على الأول ; لأن الملك له لا لأنه هو والثاني مثله في ذلك ، فالحاصل أنه دائر مع الملك فينتقل بانتقاله




الخدمات العلمية