الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بغير طلاق ) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال [ ص: 429 ] محمد : إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق ، هو يعتبره بالإباء والجامع ما بيناه ، وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء ، وأبو حنيفة فرق بينهما . ووجه الفرق أن الردة منافية للنكاح لكونها منافية للعصمة والطلاق رافع فتعذر أن تجعل طلاقا ، بخلاف الإباء ; لأنه يفوت الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان على ما مر ، [ ص: 430 ] ولهذا تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء ولا تتوقف بالردة ( ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها ونصف المهر إن لم يدخل بها ، وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فلا مهر لها ولا نفقة ) ; لأن الفرقة من قبلها . .

التالي السابق


( قوله وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة ) في الحال ( بغير طلاق ) قبل الدخول أو بعده ، وبه قال مالك وأحمد في رواية ، وقال الشافعي وأحمد في أخرى قبل الدخول هو كذلك ، وأما بعده فيتوقف إلى انقضاء العدة فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها يستمر النكاح وإلا [ ص: 429 ] تبين الفراق من وقت الردة . قلنا : هذه الفرقة للتنافي فإن الردة منافية للعصمة موجبة للعقوبة ، والمنافي لا يحتمل التراخي ، بخلاف الإسلام فإنه غير مناف للعصمة ، هذا جواب ظاهر المذهب . وبعض مشايخ بلخ وسمرقند أفتوا في ردتها بعدم الفرقة حسما لاحتيالها على الخلاص بأكبر الكبائر ، وعامة مشايخ بخارى أفتوا بالفرقة وجبرها على الإسلام وعلى النكاح مع زوجها الأول ; لأن الحسم بذلك يحصل ، ولكل قاض أن يجدد النكاح بينهما بمهر يسير ولو بدينار رضيت أم لا ، وتعزر خمسة وسبعين ، ولا تسترق المعتدة ما دامت في دار الإسلام في ظاهر الرواية ، وفي رواية النوادر عن أبي حنيفة تسترق ، وهذا الكلام في الفرقة . وأما كونها طلاقا فاتفق الإمامان هنا على أنها من جهة الزوج والمرأة فسخ ، وقال محمد هي في ردة الزوج طلاق وفي ردتها فسخ مر على أصله في الإباء ، وكذا أبو يوسف ، وفرق أبو حنيفة بين الردة والإباء .

وجه قول محمد اعتباره بالإباء ( والجامع ما بيناه ) وهو أن بالإباء امتنع عن الإمساك بمعروف مع قدرته عليه فينوب القاضي منابه ، وقيل ما بيناه مما حاصله أن سبب الفرقة فعل من الزوج إباء أو ردة ( وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء ) وهو أنه سبب يشتركان فيه ( وأبو حنيفة فرق ) بأن الردة منافية للنكاح ; لأنها منافية للعصمة لبطلان العصمة عن نفسه وأملاكه ، ومنها ملك النكاح ، كذا قرر . والحق أن منافاتها لعصمة الأملاك تبع لمنافاتها لعصمة النفس ، إذ بتلك المنافاة صار في حكم [ ص: 430 ] الميت ، والطلاق لا ينافي النكاح لثبوته معه حتى لا تقع البينونة بمجرده بل بأمر زائد عليه أو عند انقضاء العدة ولزم كون الواقع بالردة غير الطلاق وليس إلا الفسخ ، بخلاف الفرقة بالإباء فإنها ليست للمنافاة ولذا بقي النكاح ما لم يفرق القاضي ; لأنها فرقة بسبب فوات ثمرات النكاح فوجب رفعه لارتفاع ثمراته اللاتي من قبل الزوج ، فالقاضي يأمره بالإمساك بمعروف بالإسلام أو التسريح بإحسان ، فإذا امتنع ناب عنه .

وفي الشروح من تقرير هذا الفرق أمور لا تمس المطلوب ، وكذا قوله في الهداية والطلاق رافع ; لأن الرافع يجامع المنافي بالضرورة ، نعم هو أعم يثبت مع المنافي ومع الطلاق فلا يقع به فرق ولا دخل له فيه ( ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها ) ونفقة العدة أيضا ( ونصفه إن لم يدخل بها ، وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها ) لا نفقة العدة ; لأن الفرقة من جهتها ، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر ولا نفقة .




الخدمات العلمية