الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( طلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا ، وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا ) وقال الشافعي : عدد الطلاق معتبر بحال الرجال لقوله عليه الصلاة والسلام { الطلاق بالرجال والعدة بالنساء } ، [ ص: 493 ] لأن صفة المالكية كرامة والآدمية مستدعية لها ، ومعنى الآدمية في الحر أكمل فكانت مالكيته أبلغ وأكثر . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان } [ ص: 494 ] ولأن حل المحلية نعمة في حقها ، وللرق أثر في تنصيف النعم إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدتان ، وتأويل ما روي أن الإيقاع بالرجال .

التالي السابق


( قوله وطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا ، وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا . وقال الشافعي : عدد الطلاق معتبر بالرجال والعدة بالنساء ) فإن كان الزوج عبدا وهي حرة حرمت عليه بتطليقتين ، وإن كان حرا وهي أمة لا تحرم عليه إلا بثلاث . ونقل أن الشافعي لما قال عيسى بن أبان له : أيها الفقيه إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاثا كيف يطلقها للسنة ؟ قال : يوقع عليها واحدة ، فإذا حاضت وطهرت أوقع أخرى ، فلما أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال له حسبك . قد انقضت عدتها فلما تحير رجع فقال : ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ، وبقولنا قال الثوري وهو مذهب علي وابن مسعود رضي الله عنهما له ما روي عنه صلى الله عليه وسلم { الطلاق بالرجال والعدة بالنساء } قابل بينهما ، واعتبار العدة بالنساء من حيث العدد فكذا ما قوبل به تحقيقا للمقابلة فإنه حينئذ أنسب من أن يراد به الإيقاع بالرجال ; ولأنه معلوم من قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } وفي موطأ مالك { أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 493 ] أو عبدا لها كان تحته امرأة حرة فطلقها ثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان فيسأله عن ذلك فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت عليك } ( ولنا قوله صلى الله عليه وسلم { طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان } ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن عائشة ترفعه وهو الراجح الثابت ، بخلاف ما رواه وما مهد من معنى المقابلة ; لأنه فرع صحة الحديث أو حسنه ولا وجد له حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق يعرف .

وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي : موقوف على ابن عباس ، وقيل من كلام زيد بن ثابت ، وحديث الموطأ موقوف عليه وعلى عثمان وهو لا يرى تقليد الصحابي ، والإلزام إنما يكون بعد الاستدلال ; لأن حقيقته نقض مذهب الخصم بما لا يعتقده الملزم صحيحا ، ولا يكون نقض مذهب خصمه فقط يوجب صحة مذهب نفسه إلا بطريق عدم القائل بالفصل ، وهذا لا يكون إلا إذا كان ما نقض به مما يعتقده صحيحا وهو منتف عنده في مذهب الصحابي ، فهو في مذهبه وفي معتقده غير منقوض فلم يثبت لمذهبه دليل يقاوم ما روينا . فإن قلت : قد ضعف أيضا ما رويتم بأنه من رواية مظاهر ولم يعرف له سوى هذا الحديث . قلنا : أولا تضعيف بعضهم ليس كعدمه بالكلية كما هو فيما رويتم ، وثانيا بأن ذلك التضعيف ضعيف ; فإن ابن عدي أخرج له حديثا آخر عن المقبري عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم { أنه كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران } وكذا رواه الطبراني ، ثم منهم من ضعفه عن أبي عاصم النبيل فقط ، ومنهم من نقل عن ابن معين وأبي حاتم والبخاري تضعيفه لكن قد وثقه ابن حبان وأخرج الحاكم حديثه هذا عنه عن القاسم عن ابن عباس قال : ومظاهر شيخ من أهل البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح ، فإذن إن لم يكن الحديث صحيحا كان حسنا ، ومما يصحح الحديث أيضا عمل العلماء على وفقه .

وقال الترمذي عقيب روايته : حديث غريب ، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم . وفي الدارقطني : قال القاسم وسالم : عمل به المسلمون ، وقال مالك : شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده [ ص: 494 ] انتهى ، والله أعلم ( قوله ولأن حل المحلية نعمة ) تزيد بزيادته ، ولذا اتسع حله صلى الله عليه وسلم عند زيادة فضله ( وللرق أثر في تنصيف النعمة ) في الشرع كما عرف ( إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدتان ) يعني يلزم لتنصيف النعمة أن يتزوجها مرة ونصفا عقيب طلاقه إياها ، لكن العقدة لا تتجزأ فكملت كالطلقة والحيضة في حقها ، ثم لو تم أمر ما رواه كان المراد به أن قيام الطلاق بالرجال ; لأنه لو كان احتمالا للفظ مساويا لتأيد بما رويناه فكيف وهو المتبادر إلى الفهم من ذلك اللفظ كما هو في قولهم الملك بالرجال .




الخدمات العلمية