الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث والعذرة والدم والمني فجفت فدلكه بالأرض جاز ) وهذا استحسان ( وقال محمد رحمه الله لا يجوز ) وهو القياس ( إلا في المني خاصة ) لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك ، بخلاف المني على ما نذكره .

ولهما قوله عليه الصلاة والسلام { فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور } ولأن الجلد لصلابته لا تتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلا [ ص: 196 ] ثم يجتذبه الجرم إذا جف ، فإذا زال زال ما قام به ( وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله ) لأن المسح بالأرض يكثره ولا يطهره .

وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى ، وإطلاق ما يروى وعليه مشايخنا رحمهم الله ( إن أصابه بول فيبس لم يجز حتى يغسله ) وكذا كل ما لا جرم له كالخمر لأن الأجزاء تتشرب فيه ولا جاذب يجذبها .

وقيل ما يتصل به من الرمل والرماد جرم له والثوب لا يجزي فيه إلا الغسل وإن يبس لأن الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل .

التالي السابق


( قوله ولهما قوله صلى الله عليه وسلم ) روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال { إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعله أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيها } وخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال { إذا وطئ أحدكم الأذى بنعله أو خفيه فطهورهما التراب } ولا تفصيل فيهما بين الرطب والجاف والكثيف والرقيق ، فأعمل أبو يوسف إطلاقه إلا [ ص: 196 ] في الرقيق وقيداه بالجرم والجفاف ، غير أنه لا فرق على ما فرعوا بين كون الجرم من نفس النجاسة أو من غيرها بأن ابتل الخف بخمر فمشى به على رمل أو رماد فاستجسد فمسحه بالأرض حتى تناثر طهر .

روي ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، إلا أن أبا يوسف لم يقيده بالجفاف ، وعلى قول أبي يوسف أكثر المشايخ وهو المختار لعموم البلوى ، ونعلم أن الحديث يفيد طهارتها بالدلك مع الرطوبة ، إذ ما بين المسجد والمنزل ليس مسافة تجف في مدة قطعها ما أصاب الخف رطبا ، فإطلاق ما يروى مساعد بالمعنى .

وأما مخالفته في الرقيق فقيل هو مفاد بقوله طهور : أي مزيل ، ونحن نعلم أن الخف إذا تشرب البول لا يزيله المسح فإطلاقه مصروف إلى ما يقبل الإزالة بالمسح ، ولا يخفى ما فيه إذ معنى طهور مطهر ، واعتبر ذلك شرعا بالمسح المصرح به في الحديث الآخر الذي ذكرناه مقتصرا عليه ، وكما لا يزيل ما تشربه من الرقيق كذلك لا يزيل ما تشربه من الكثيف حال الرطوبة على ما هو المختار للفتوى باعتراف هذا المجيب . والحاصل فيه بعد إزالة الجرم كالحاصل قبل الدلك في الرقيق فإنه لا يشرب إلا ما في استعداده قبوله ، وقد يصيبه من الكثيفة الرطبة مقدار كثير يشرب من رطوبته مقدار ما يشربه من بعض الرقيق .




الخدمات العلمية