الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن قال لامرأة : يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت ) لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار فيحمل عليه وإذا قرن بفعل يمتد كالصوم والأمر باليد لأنه يراد به المعيار ، وهذا أليق به ، ويذكر ويراد به مطلق الوقت قال الله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه إذا قرن بفعل لا يمتد والطلاق من هذا القبيل فينتظم الليل والنهار . [ ص: 37 ] ولو قال : عنيت به بياض النهار خاصة دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه والليل لا يتناول إلا السواد والنهار يتناول البياض خاصة وهذا هو اللغة . .

التالي السابق


( قوله ومن قال : لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار ) وهو ظاهر ويطلق ويراد به مطلق الوقت لقوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } والفرار من الزحف حرام ليلا ونهارا . والأفعال منها ما يمتد وهو ما صح ضرب المدة له كالسير والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق كقوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان ، واختاري نفسك يوم يقدم فيتعلق الحكم ببياض النهار ، فلو قدم فلان ليلا لا خيار لها أو نهارا دخل الأمر في يدها إلى الغروب لأنه لما امتد كان الظاهر من ذكر اليوم دون حرف في ضرب المدة تقديرا وهو حقيقة في بياض النهار فيبقى معه إلى أن يتعين خلافه كقولك أحسن الظن بالله يوم تموت واركب يوم يأتي العدو .

ومنها ما لا يمتد وهو ما لا يصح ضرب المدة له كالطلاق والتزوج والعتاق والدخول والقدوم والخروج فيجب حمل اليوم معه على مطلق الوقت لأن ضرب المدة له لغو إذ لا يحتمله ( والطلاق من هذا القبيل ) فيقع ليلا تزوجها أو نهارا ، كذا في عامة النسخ ، وفي الأصل التزوج من هذا القبيل قيل كأنه غلط ، والصحيح الطلاق من هذا القبيل . وفي النهاية : الصحيح التزوج من هذا القبيل ، قال : كذا وجدته بخط شيخي ، ولأنه اعتبر [ ص: 37 ] في الكتاب في وزان هذه المسألة فعل الشرط لا الجزاء ، قال : في الأيمان : لو قال : يوم أكلم فلانا فامرأتي طالق فهو على الليل والنهار ، إلى أن قال : والكلام لا يمتد ، ولأن ذكر الفعل إنما يستقيم من غير تأويل في أتزوجك لا في أنت طالق ، ولأن ذكر القران في قوله إذا قرن يدل على إرادة التزوج لا الطلاق لأن مقارنته اليوم أقوى لأنه على وجه الإضافة والمضاف مع المضاف إليه كشيء واحد انتهى .

والأصوب الاعتبار الأول : أعني اعتبار الجزاء كالطلاق هنا لأن المقصود بذكر الظرف إفادة وقوعه فيه ، بخلاف المضاف إليه فإنه وإن كان مظروفا أيضا لكنه لم يقصد بذكر ذلك الظرف ، بل إنما ذكر المضاف إليه ليتعين الظرف فيتم المقصود من تعيين زمن وقوع مضمون الجواب . ولا شك أن اعتبار ما قصد الظرف له لاستعلام المراد من الظرف أهو الحقيقي أو المجازي أولى من اعتبار ما لم يقصد له في استعلام حاله ، إلا أن بعض المشايخ تسامحوا فيما لم يختلف فيه الجواب : أعني ما يكون به المعلق والمضاف إليه مما يمتد نحو أمرك بيدك يوم يسير فلان ، أو لا يمتد كأنت حر يوم يقدم وطالق يوم أتزوجك فعللوا بامتداد المضاف إليه وعدمه ، والمحققون ارتفعوا عن ذلك الإيهام .

ومن الشارحين من حكى خلافا في الاعتبار ويشبه كونه وهما ، ولذا نقل اتفاقهم على اعتبار المعلق فيما يختلف فيه الجواب لو اعتبر المضاف إليه وهو ما يختلف فيه المعلق والمضاف إليه بالامتداد وعدمه كأنت حر يوم يسير فلان .



[ فروع ] قال : أنت طالق إلى شهر تطلق إذا انقضى شهر ، وأوقعه أبو يوسف للحال ، أو قبل قدوم زيد بشهر يقع إذا قدم زيد لشهر مقتصرا . وقال زفر مستندا أو قبل موت زيد بشهر فمات لتمامه وقع مستندا عند أبي حنيفة وقالا مقتصرا على الموت .

وفائدة الخلاف تظهر في اعتبار العدة ، فعند أبي حنيفة تعتبر من أول الشهر ولو كان وطئها في الشهر يصير مراجعا إن كان الطلاق رجعيا ، ولو كان ثلاثا وطئها في الشهر غرم العقر ، وعندهما تعتبر العدة من الحال ولا يصير مراجعا بذلك الوطء ولا يلزمه عقر ، وقيل تعتبر العدة من وقت الموت اتفاقا احتياطا ، كذا إذا طلقها بائنا أو ثلاثا أو خالعها في خلال الشهر ثم مات زيد لتمام الشهر وهي في العدة لا يقع الثلاث والبائن ويبطل الخلع ويرد الزوج بدل الخلع لظهور بطلان الخلع والبائن لسبق الثلاث بالاستناد ، وعندهما يقع الثلاث والبائن ويصح الخلع ويصير مع الخلع ثلاثا .

ولو مات زيد قبل تمام الشهر لا تطلق لعدم شهر قبل الموت . [ ص: 38 ] ولو مات بعد العدة فيما إذا طلقها في أثناء الشهر ثم وضعت حملها أو لم تكن مدخولا بها فلم تجب عدة لا يقع لعدم المحل إذ المستقبل يثبت للحال ثم يستند ، كذا في الجامع الكبير والأسرار . هذا على طريق كون الحكم هنا يثبت بطريق الاستناد وهو الأصح ، وقد قيل يثبت عنده بطريق التبيين .

ولو قال : أنت طالق قبل موتي أو قبل موتك بشهر عندهما لا يقع شيء وترث منه لامتناع وقوعه مقتصرا كما هو قولهما بعد الموت ، وعنده يقع مستندا حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت لا ترث منه وعليها العدة ثلاث حيض . أما إذا مات قبل مضي تلك المدة لا يقع الطلاق ولها الميراث .

ولو قال : آخر امرأة أتزوجها طالق أو آخر عبد أملكه حر فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات أو ملك عبدا ثم عبدا ثم مات يقع الطلاق والعتق عنده مستندا إلى وقت الملك والتزوج ، وعندهما مقتصرا حتى يعتبر العتق من جميع المال إذا كان صحيحا وقت الشراء . فإن كان مريضا فمن الثلث وفي الزوجة الأخيرة تطلق من حين تزوجها حتى لا تلزمها العدة إذا لم يكن دخل بها ولا ميراث لها . وإن كان دخل بها فعليها العدة ولها الميراث .

والفرق لأبي حنيفة بين القدوم والموت أن الموت معرف والجزاء لا يقتصر على المعرف ، كما لو قال : إن كان في الدار زيد فأنت طالق فخرج منها آخر النهار طلقت من حين تكلم ، وهذا لأن الموت في الابتداء يحتمل أن يقع قبل الشهر فلا يوجد الوقت أصلا فأشبه سائر الشروط في احتمال الخطر ، فإذا مضى شهر فقد علمنا بوجود شهر قبل الموت لأن الموت كائن لا محالة إلا أن الطلاق لا يقع في الحال لأنا نحتاج إلى شهر يتصل بالموت وأنه غير ثابت والموت يعرف ، ففارق من هذا الوجه الشرط وأشبه الوقت في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر فقلنا بأمر بين الظهور والاقتصار وهو الاستناد ، ولو قال : قبل رمضان بشهر وقع أول شعبان اتفاقا ، ولو قال لهما : أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع حتى تموت إحداهما ، فإذا ماتت طلقت الأخرى مستندا عنده ومقتصرا عندهما .




الخدمات العلمية