الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا ( فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك ) لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة { فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن [ ص: 197 ] كان يابسا } وقال الشافعي رحمه الله : المني طاهر ، والحجة عليه ما رويناه .

وقال عليه الصلاة والسلام { إنما [ ص: 198 ] يغسل الثوب من خمس ، وذكر منها المني } ولو أصاب البدن .

قال مشايخنا رحمهم الله : يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد .

وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يطهر إلا بالغسل لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم والبدن لا يمكن فركه .

التالي السابق


( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ) الذي في صحيح أبي عوانة عن { عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا ، وأمسحه أو أغسله ، شك الحميدي ، إذا كان رطبا } ورواه [ ص: 197 ] الدارقطني وأغسله من غير شك ، فهذا فعلها .

وأما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك ، فالله أعلم ، لكن الظاهر أن ذلك بعلم النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا إذا تكرر منها مع التفاته صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله ، وأظهر منه قولها { كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه } فإن الظاهر أنه يحس ببلل ثوبه وهو موجب الالتفات إلى حال الثوب والفحص عن خبره وعند ذلك يبدو له السبب في ذلك وقد أقرها عليه ، فلو كان طاهرا لمنعها من إتلاف الماء لغير حاجة فإنه حينئذ سرف في الماء إذ ليس السرف في الماء إلا صرفه لغير حاجة ومن إتعاب نفسها فيه لغير ضرورة ، على أن في مسلم عن عائشة { أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه } فإن حمل على حقيقته من أنه فعله بنفسه فظاهر أو على مجازه وهو أمره بذلك فهو فرع علمه .

وأما حديث { إنما يغسل الثوب من خمس } فرواه الدارقطني عن عمار بن ياسر قال { أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة قال : يا عمار ما تصنع ؟ قلت : يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نخامة أصابته ، فقال : يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس : من الغائط والبول ، والقيء ، والدم ، والمني ، يا عمار ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء } قال : لم يروه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد ، وهو ضعيف وله أحاديث في أسانيدها الثقات وهي مناكير ومقلوبات . ودفع بأنه وجد له متابع عند الطبراني . رواه في الكبير من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد سندا ومتنا ، وبقية الإسناد : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا علي بن بحر ، حدثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ، حدثنا حماد بن سلمة به ، فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث بسبب أنه لم يروه عن علي بن زيد سوى ثابت . وقوله في علي هذا إنه غير محتج به دفع بأن مسلما روى له مقرونا بغيره ، وقال العجلي : لا بأس به ، وروى له الحاكم في المستدرك ، وقال الترمذي صدوق ، وإبراهيم بن زكريا ضعفه غير واحد ووثقه البزار ( قوله وقال الشافعي : المني طاهر ) تمسك هو أيضا بالحديث الأول ، فلو كان نجسا لم يكتف بفركه ، وبما عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم { أنه سئل عن المني يصيب الثوب فقال : إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق ، وقال : إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة } قال الدارقطني : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك القاضي ، ورواه البيهقي من طريق الشافعي [ ص: 198 ] موقوفا على ابن عباس قال هذا هو الصحيح ، وقد روي عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعا ولا يثبت ا هـ . لكن قال ابن الجوزي في التحقيق : إسحاق الأزرق إمام مخرج له في الصحيحين ورفعه زيادة وهي من الثقة مقبولة ولأنه مبدأ خلق الإنسان وهو مكرم فلا يكون أصله نجسا ، وهذا ممنوع فإن تكريمه يحصل بعد تطويره الأطوار المعلومة من المائية والمضغية والعلقية ، ألا يرى أن العلقة نجسة ، وأن نفس المني أصله دم فيصدق أن أصل الإنسان دم وهو نجس ، والحديث بعد تسليم حجيته رفعه معارض بما قدمنا ، ويترجح ذلك بأن المحرم مقدم على المبيح ، ثم قيل : إنما يطهر بالفرك إذا لم يسبقه مذي ، فإن سبقه لا يطهر إلا بالغسل .

وعن هذا قال شمس الأئمة : مسألة المني مشكلة لأن كل فحل يمذي ثم يمني ، إلا أن يقال : إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيجعل تبعا ا هـ .

وهذا ظاهر فإنه إذا كان الواقع أنه لا يمني حتى يمذي وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر ذلك الاعتبار للضرورة ، بخلاف ما إذا بال ولم يستنج بالماء حتى أمنى فإنه لا يطهر حينئذ إلا بالغسل لعدم الملجئ كما قيل . وقيل لو بال ولم ينتشر البول على رأس الذكر بأن لم يجاوز الثقب فأمنى لا يحكم بتنجس المني ، وكذا إن جاوز لكن خرج المني دفقا من غير أن ينتشر على رأس الذكر لأنه لم يوجد سوى مروره على البول في مجراه ولا أثر لذلك في الباطن ، ولو كان للمصاب بطانة نفذ إليها اختلف فيه ، قال التمرتاشي : والصحيح أنه يطهر بالفرك لأنه من أجزاء المني ، وقال الفضلي : مني المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق .




الخدمات العلمية