الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن قال لها : طلقي نفسك قالت : أبنت نفسي طلقت ) ولو قالت : قد اخترت نفسي لم تطلق لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق ، ألا ترى أنه لو قال لامرأته : أبنتك ينوي به الطلاق أو قالت : أبنت نفسي فقال الزوج : قد أجزت ذلك بانت فكانت موافقة للتفويض في الأصل إلا أنها زادت فيه وصفا وهو [ ص: 98 ] تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد ويثبت الأصل ، كما إذا قالت : طلقت نفسي تطليقة بائنة ، وينبغي أن تقع تطليقة رجعية . بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق ; ألا ترى أنه لو قال لامرأته اخترتك أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع ، لو قالت ابتداء : اخترت نفسي فقال الزوج : قد أجزت لا يقع شيء إلا أنه عرف طلاقا بالإجماع إذا حصل جوابا للتخيير ، وقوله طلقي نفسك ليس بتنجيز فيلغو . وعن أبي حنيفة أنه لا يقع شيء بقولها أبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها إذ الإبانة تغاير الطلاق .

التالي السابق


( قوله وإن قال لها : طلقي نفسك فقالت : أبنت نفسي طلقت ) أي رجعيا ، ولو قالت : اخترت نفسي لم تطلق . وحاصل الفرق بين صحة الجواب بأبنت وعدمه باخترت أن المفوض الطلاق ، والإبانة من ألفاظه التي تستعمل في إيقاعه كناية فقد أجابت بما فوض إليها ، بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق لا صريحا ولا كناية ، ولهذا لو قالت : أبنت نفسي توقف على إجازته ، ولو قالت اخترت نفسي فهو باطل ولا تلحقه إجازة ، وإنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا جعل جوابا للتخيير ، غير أنها زادت وصف تعجيل البينونة فيه فيلغو الوصف ويثبت الأصل . لا يقال : قد صح جوابا للأمر باليد . لأنا نقول : الأمر باليد هو التخيير معنى فيثبت جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير . وهذا لأن قوله أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه وعدمه ، فحيث جعل جوابا للتخيير بلفظ التخيير كان جوابا للتخيير بمرادفه للعلم بأن خصوص اللفظ ملغى ، بخلاف طلقي لأنه وضعا طلب الطلاق لا التخيير بينه وبين عدمه ، ثم إذا أجابت باخترت نفسي خرج الأمر من يدها باشتغالها بما لا يعنيها في ذلك الأمر . وعن أبي حنيفة أنه لا يقع بجوابها بأبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها ، لأن الإبانة تغاير الطلاق [ ص: 98 ] لحصول كل منهما دون الآخر ، ويخرج الأمر من يدها كما يخرج بقولها اخترت ، وصار كما لو قال : طلقي نفسك نصف تطليقة فطلقت تطليقة أو قال : ثلاثا فطلقت ألفا لا يقع شيء . الجواب أنها خالفته فيهما في الأصل ، في الأولى ظاهر وكذا في الثانية ، لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره لا بالوصف على ما تقدم فيكون خلافا معتبرا ، بخلاف ما نحن فيه لأنها خالفت في الوصف بعد موافقتها في الأصل فلا يعد خلافا إذ الوصف تابع . واعلم أن المسألتين ذكرهما التمرتاشي ، والخلاف فيهما في الأصل إنما هو باعتبار صورة اللفظ ليس غيره ، إذ لو أوقعت على المرافقة : أعني الثلاث والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة والألف ، والخلاف في مسألة الكتاب باعتبار المعنى ، فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن ، وقد اعتبر الخلاف لمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى خلافا نظرا إلى أنه الأصل في الإيقاع ، والخلاف في المعنى غير خلاف وفيه ما لا يخفى




الخدمات العلمية