الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة ) لأنها ملكت إيقاع الثلاث فتملك إيقاع الواحدة ضرورة ( ولو قال لها : طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة ، وقالا : تقع واحدة ) لأنها أتت بما ملكته وزيادة فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا . ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها فكانت مبتدئة ، وهذا لأن الزوج ملكها الواحدة والثلاث غير الواحدة لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع والواحدة فرد لا تركيب فيه فكانت بينهما مغايرة على سبيل المضادة ، بخلاف [ ص: 102 ] الزوج لأنه يتصرف بحكم الملك ، وكذا هي في المسألة الأولى لأنها ملكت الثلاث ، أما هاهنا لم تملك الثلاث وما أتت بما فوض إليها فلغت .

التالي السابق


( قوله وإن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة لأنها لما ملكت إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت ) كالزوج نفسه ( ولو قال لها : طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : تقع واحدة لأنها أتت بما ملكته وزيادة فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا ) وكقولها طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة في هذه المسألة وأبنت نفسي في جواب طلقي نفسك وطلقت نفسي وضرتي ، وقول العبد في جواب اعتق نفسك أعتقت نفسي وفلانا حيث يقع ثلاث في الأولى ورجعي في الثانية والثالثة وتطلق هي ويعتق هو دون من قرناه ( ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها مبتدئة ) فيتوقف على إجازة الزوج ، وبهذا يخرج الجواب عما بعد الأولى من الصور لامتثالها بدءا ، ثم المخالفة بما بعده فلا تعتبر .

ووجهها في أبنت نفسي أن معناه طلقت نفسي بائنا والباقي ظاهر . وقوله بخلاف الزوج جواب عن الأول : أي أن الزوج يتصرف بحكم ملكه الثلاث ، وكما إذا صرح بما الثلاث في ضمنه فيثبت القدر الذي يملكه ويلغو ما سواه ، وكذا هي في المسألة الأولى وهي قوله لها طلقي نفسك ثلاثا [ ص: 102 ] ملكتها بجميع أجزائها ( أما هنا فلم تملك الثلاث ) لأنه إنما ملكها الواحدة ولم تأت بما فوض إليها فلم تصر باعتبارها مالكة ولا باعتبارها متصرفة عن الآمر لعدم الموافقة ، وحقيقة الفرق أنها ملكت الواحدة وهي شيء بقيد الوحدة ، بخلاف الواحدة التي في ضمن الثلاث فإنها بقيد ضده ، وهذا معنى قوله الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع الوحدان والواحد لا ترتيب فيه فكان بينهما تضاد ، بخلاف الزوج وبخلافها في المسألة الأولى لأنها ملكت الثلاث .

أما هنا فلم تملك الثلاث لما ذكرنا ، وهذا التقرير لا يستعقب إيرادا . ووقع في لفظ المصنف قوله والثلاث غير الواحدة : يعني فلم تكن بإيقاعها موافقة لما ملكها . فاعترض بأن مذهب أهل السنة أن الجزء من العشرة ليس عنها ولا غيرها .

وأجيب بأن ذلك في الأمور الموجودة بخلاف نحو الطلاق ، وأنت تعلم أن هذا مجرد اصطلاح للمتكلمين كما أن اصطلاح الفلاسفة أن ما ليس عينا فهو غير ، ولو فرض عدم وضع الاصطلاح أصلا بل عدم وضع لفظة غير لغة لم يتوقف إثبات المطلوب عليه ، إذ يكفي فيه أن يقال فوض إليها الثلاث والواحدة ليست إياها فلا تكون مفوضة إليها فإيراد مثله إلزام بمجرد الاصطلاح ، وغاية ما يلزم بعد التزامه أن المصنف عبر عما ليس إياه بلفظ غير مجازا .




الخدمات العلمية