الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال لها : أنت طالق إن شئت فقالت : شئت إن شئت فقال الزوج : شئت ينوي الطلاق بطل الأمر ) لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط وهو اشتغال بما لا يعنيها فخرج الأمر من يدها ، ولا يقع الطلاق بقوله شئت وإن نوى الطلاق لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق ليصير الزوج شائيا طلاقها ، والنية لا تعمل في غير المذكور [ ص: 104 ] حتى لو قال : شئت طلاقك يقع إذا نوى لأنه إيقاع مبتدأ إذ المشيئة تنبئ عن الوجود ، بخلاف قوله أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود .

[ ص: 105 ] ( وكذا إذا قالت شئت إن شاء أبي أو شئت إن كان كذا لأمر لم يجئ بعد ) لما ذكرنا أن المأتي به مشيئة معلقة فلا يقع الطلاق وبطل الأمر ( وإن قالت : قد شئت إن كان كذا لأمر قد مضى طلقت ) لأن التعليق بشرط كائن تنجيز .

التالي السابق


( قوله ولو قال لها : أنت طالق إن شئت فقالت : شئت إن شئت فقال : شئت ينوي الطلاق بطل الأمر لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة ) منها ( وهي قد أتت بالمعلقة فما وجد الشرط ثم هو اشتغال بما لا يعنيها فخرج الأمر من يدها ، ولا يقع الطلاق بقوله شئت وإن نوى لأنه ليس في كلام الرجل ذكر الطلاق ولا في كلامها ) لأنها لم تقل شئت طلاقي إن شئت ليكون الزوج بقوله شئت شائيا طلاقها لفظا بل بمجرد النية والنية لا تعمل في غير المذكور الصالح للإيقاع ولا في المذكور [ ص: 104 ] الذي ليس بصالح للإيقاع به نحو اسقني .

( حتى لو قال : شئت طلاقك ينويه وقع لأن المشيئة تنبئ عن الوجود ) لأنها من الشيء وهو الموجود ( بخلاف ما لو قال : أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود ) بل هي طلب لنفس الوجود عن ميل ، وغاية الأمر أن المشيئة والإرادة في صفة العباد مختلفان ، وفي صفة الله تعالى مترادفان كما هو اللغة فيهما مطلقا فلا يدخلهما وجود : أي لا يكون الوجود جزء مفهوم أحدهما غير أن ما شاء الله كان وكذا ما أراده ، لأن تخلف المراد إنما يكون لعجز المريد لا لذات الإرادة لأنها ليست المؤثرة للوجود لأن ذلك خاصية القدرة ، بل بمعنى أنها المخصصة للمقدور المعلوم وجوده بالوقت والكيفية ، ثم القدرة تؤثر على وفق الإرادة ، غير أنه لا يتخلف شيء عن مراده تعالى لما قلنا في المشيئة بخلاف العباد ، وعن هذا لو قال أراد الله طلاقك ينويه يقع كما لو قال شاء الله ، بخلاف أحب الله طلاقك أو رضيه لا يقع لأنهما لا يستلزمان منه تعالى الوجود .

ولو قيل : التخصيص بالوقت الإرادة يكون عن طلبه ويستلزم عدم الفرق بين صفة الإرادة والكلام . نعم فرق بين الطلبين أنه في الكلام طلب تكليفي وهذا بخلافه ، ولكنه ليس يلزم كون الطلب الكلامي تكليفا دائما كما في الطلب المعبر عنه بكن .

ولو أجيب بأن ذلك الطلب خارج عنها لزم كونها من صفات الأفعال ، وإذ قد ظهر الفرق بين الإرادتين لا يكون فرق أبي حنيفة بين المشيئة والإرادة في حق العباد رواية عنه في الفرق بينهما في صفة الله سبحانه وتعالى . بقي الشأن في كون المشيئة تنبئ عن الوجود في حق العباد للاشتقاق من الشيء وهو الموجود فيه نظر ، فإن الشيء وإن وقع على غير الأعيان إلا أن كونه في مفهومه الوجود اصطلاح طارئ على اللغة ، فإنه لغة يقال للمعدوم والموجود ، وكون الإرادة نسبت إلى ما لا يعقل بخلاف المشيئة ، كما ذكر شمس الأئمة لا أثر له إلا [ ص: 105 ] لو لم يكن مجازا عقليا أو مجازا لغويا في لفظ الإرادة ، على أنه سمع نسبة المشيئة أيضا إلى ذلك .

أنشد ابن السكيت في إصلاح المنطق :

يا مرحباه بحمار عقرا إذا أتى قربته لما يشا من الشعير والحشيش والما



وهو من شواهد قصر الممدود ، فتوجيهه أن يعتبر العرف فيه : يعني بكون العرف العام أنه الشيء الموجود والمشيئة منه بأن يراد به بعض ما يصدق عليه وهو الشيء الكائن مصدرا لشاء ، فإنه يقال : شاء شيئا على إرادة الحاصل بالمصدر ثم يشتق منه .

ولما كان الوجود على هذا محتمل اللفظ لا موجبه احتاج إلى النية فلزم الوجود فيها ، فإذا قال : شئت كذا في التخاطب العرفي فمعناه أوجدته عن اختيار ، بخلاف أردت كذا مجردا يفيد عرفا عدم الوجود ، وأحببت طلاقك ورضيته مثل أردته ، ولو قال : شائي طلاقك ناويا للطلاق فقالت : شئت وقع ، ولو قال أريديه أو اهويه أو أحبيه أو ارضيه ينوي الطلاق فقالت : أردته أحببته هويته رضيته لا يقع ، بخلاف ما لو قال : إن أردت أو أحببت إلى آخرها فقالت : أردت أو أحببت إلى آخرها فإنه يقع وإن لم ينو لأنه تعليق لا يفتقر إلى النية ، وهو كقوله إن كنت تحبيني يتعلق بإخبارها فإذا قالت : أحببت وقع ( قوله وإن قالت : قد شئت إن كان كذا لأمر قد مضى ) كشئت إن كان فلان قد جاء وقد جاء ، أو لأمر كائن كشئت إن كان أبي في الدار وهو فيها طلقت لأن التعليق بأمر كائن تنجيز .

قيل : يلزم عليه أنه لو قال : هو كافر إن كنت فعلت كذا وهو يعلم أنه قد فعله أن يكفر وهو منتف . أجيب بأن من المشايخ من قال بكفره فاللازم حق ، وعلى المختار وهو عدم كفره وهو مروي عن أبي يوسف يفرق بأن هذه الألفاظ جعلت كناية عن اليمين بالله تعالى إذا جعل تعليق كفره بأمر في المستقبل ، فكذا إذا جعله بماض تحاميا عن تكفير المسلم . والأوجه أن الكفر بتبدل الاعتقاد وتبدله غير واقع مع ذلك الفعل .

فإن قيل : لو قال هو كافر بالله ولم يتبدل اعتقاده يجب أن يكفر فليكفر هنا بلفظ هو كافر وإن لم يتبدل اعتقاده . قلنا : النازل عند وجود الشرط حكم اللفظ لا عينه فليس هو بعد وجود الشرط متكلما بقوله هو كافر حقيقة .




الخدمات العلمية