الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج إلا أن تقيم المرأة البينة ) لأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط ، ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه ( فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها مثل أن [ ص: 126 ] يقول : إن حضت فأنت طالق وفلانة فقالت : قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة ) ووقع الطلاق استحسانا ، والقياس أن لا يقع لأنه شرط فلا تصدق كما في الدخول . وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها إذ لا يعلم ذلك إلا من جهتها فيقبل قولها كما قبل في حق العدة والغشيان لكنها شاهدة في حق ضرتها بل هي متهمة فلا يقبل قولها في حقها

التالي السابق


( قوله وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج ، إلا أن تقيم المرأة البينة لأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط ولأنه ينكر وقوع الطلاق ) وعلى هذا لو قال : إن لم تدخلي اليوم فأنت طالق فقالت : لم أدخل وقال : دخلت فالقول له وإن كانت متمسكة بالأصل وهو عدم الدخول . ولو قال : إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق فقالت : لم يجامعني وقال : فعلت فالقول له مع أنها متمسكة بظاهرين عدم الجماع وحرمته في الحيض الداعية إلى عدمه لكونه أنكر الطلاق واستحضر هنا ما في النكاح . لو قال : بلغك الخبر فسكت وقالت : رددت القول قوله ، خلافا لزفر لهذا أيضا فهذا أصل كلي ، بخلاف ما لو قال وهي في طهر خال عن الجماع : أنت طالق للسنة ثم قال : جامعتك في حيضتك فأنكرت فالقول لها إن كانت طاهرة لأنه يريد إبطال حكم واقع بعد وجود السبب والمضاف إليه ، أما الأول فلأن المضاف سبب في الحال .

وأما الثاني فلأن الوقت وقت طلاق السنة بالفرض ( قوله فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها ) عليه الأربعة رحمهم [ ص: 126 ] الله تعالى . وعن أحمد لا يقع وتختبرها النساء بإدخال قطنة في فرجها في زمان قالت ذلك . ودفع بأنها أمينة مأمورة بإظهار ما في رحمها بقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } تحريم كتمانها أمر بالإظهار .

وفائدة الأمر بالإظهار ترتيب أحكام المظهر ، وهو فرع قبوله مع أن إدخال القطنة لا يوصل إلى علم ولا ظن لجواز أخذ دم من الخارج تحملت به ( قوله ولم تطلق فلانة ) هذا إذا كذبها ، أما إذا صدقها طلقت فلانة أيضا ، وكذا في جميع نظائره ( قوله كما قبل في حق العدة ) أي انقضائها ، حتى لو طلقها طلاقا رجعيا ثم لم يراجعها فقالت له بعد مدة تحتمل صدقها قد انقضت عدتي انقطع حق الرجعة ، أو قالت لرجل آخر : انقضت عدتي من فلان والمدة تحتمله جاز له تزوجها إذا غلب على ظنه صدقها ( والغشيان ) أي حل الوطء وحرمته ، فلو قالت : أنا حائض حرم أو طاهر حل ، أو قالت للمطلق ثلاثا : تزوجت بثان وغشيني حلت له . لا يقال : إما أن تكون حاضت أو لا ، فعلى الأول يقع عليهما ، وعلى الثاني لا يقع على واحدة منهما .

لأنا نقول : المنظور إليه في حقها شرعا الإخبار به لأنها أمينة وفي حق ضرتها حقيقته وشهادتها على ذلك شهادة فرد وإخبارها به لا يسري في حقها مع التكذيب ، ولا بعد في أن يقبل قول الإنسان في حق نفسه لا غيره ، كأحد الورثة إذا أقر بدين لرجل على الميت فيقتصر على نصيبه إلا أن يصدقه الباقون ، والمشتري إذا أقر بالمبيع لمستحق لا يرجع بالثمن على البائع ، هذا وإنما يقبل قولها إذا أخبرت بالحيض وهو قائم ، أما بعد الانقطاع فلا لأنه ضروري فيشترط قيام الشرط ، بخلاف قوله إن حضت حيضة حيث يقبل قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله ولا بعده ، حتى لو قالت بعد مدة حضت وطهرت وأنا الآن حائض بحيضة أخرى لا يقبل قولها ولا يقع لأنها أخبرت عن الشرط حال عدمه ، ولا يقع إلا إذا أخبرت في الطهر بعد انقضاء هذه الحيضة فحينئذ يقع ، وهذا لأنها جعلت أمينة شرعا فيما تخبر من الحيض والطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بهما فلا تكون مؤتمنة حال عدم تلك الأحكام لعدم الحاجة إذا كذبها الزوج ولو قال لامرأتيه : إذا حضتما فأنتما طالقان فقالتا : حضنا لم تطلق واحدة منهما إلا أن يصدقهما ، فإن صدق إحداهما وكذب [ ص: 127 ] الأخرى طلقت المكذبة ، وإن كن ثلاثا فقال ذلك فقلن : حضنا لم تطلق واحدة منهن إلا أن يصدقهن ، وكذا إن صدق إحداهن فإن صدق ثنتين فقط طلقت المكذبة دون المصدقات . ولو كن أربعا والمسألة بحالها لم يطلقن إلا أن يصدقهن . وكذا إن صدق واحدة أو ثنتين ، وإن صدق ثلاثا فقط طلقت المكذبة دون المصدقات . والأصل أن حيض الكل شرط للوقوع عليهن فلم تطلق واحدة حتى يحضن جميعا ، وإن حاض بعضهن يكون ذلك بعدما يثبت به الحكم فلا يثبت ، وإن قلن جميعا : حضنا لا يثبت حيض كل واحدة إلا في حق نفسها إلا أن يصدقها فيثبت في حق الكل ، وإن صدق البعض وكذب البعض نظر ، فإن كانت المكذبة واحدة طلقت هي وحدها لتمام الشرط في حقها لأن قولها مقبول في نفسها وقد صدق غيرها فتم الشرط فيها ولا تطلق غيرها لأن المكذبة لا يقبل قولها في غيرها فلم يتم الشرط في الغير ، وإن كذب أكثر من واحدة لم تطلق واحدة منهن لأن كل واحدة من المكذبات لم يثبت حيضها إلا في حق نفسها فكان الموجود بعض الشرط فلا تطلق واحدة منهن حتى يصدق من سواها جميعا .




الخدمات العلمية