الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 210 ] ( باب الخلع ) [ ص: 211 ] ( وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به ) لقوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ( فإذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال ) لقوله صلى الله عليه وسلم { الخلع تطليقة بائنة } [ ص: 212 - 214 ] ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات ، والواقع بالكناية بائن [ ص: 215 ] إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا ، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها وذلك بالبينونة .

التالي السابق


( باب الخلع ) هو لغة : النزع خلع ثوبه ونعله ، ومنه خالعت المرأة زوجها إذا افتدت منه بمال ، وخالعها وتخالعا صيغ منها المفاعلة ملاحظة لملابسة كل الآخر كالثوب ، قال تعالى { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } وفي الشرع : أخذه المال بإزاء ملك النكاح ، والأولى قول بعضهم إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع لاتحاد جنسه مع المفهوم - [ ص: 211 ] اللغوي . والفرق بخصوص المتعلق والقيد الزائد وقول بعضهم هو إزالة ملك النكاح ببدل ، ولا بد من زيادة قولنا بلفظ الخلع فيه وببدل فيما يليه ، فالصحيح إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع ، فإن الطلاق على مال ليس هو الخلع بل في حكمه من وقوع البينونة لا مطلقا وإلا لجرى فيه الخلاف في أنه فسخ وفي سقوط المهر لو كان المال المسمى غيره وهو منتف .

ولو قيل إنه بالمفهوم الشرعي من ماصدقات المفهوم اللغوي لأن النزع مطلقا أعم من كون متعلقه أمرا حسيا أو معنويا كقيد النكاح بمقابلة شيء أولا لم يبعد ، ولا ينافي ذلك النقل كما غلط من جعل أصول الفقه غير منقول لاندراج حقيقته في مطلق مسمى الأصول لغة لأن تخصيص الاسم بالأخص بعد كونه للأعم الصادق عليه وعلى غيره نقل بلا شك . وشرطه شرط الطلاق . وحكمه وقوع الطلاق البائن عندنا .

وصفته أنه يمين من جانب الزوج معاوضة من جانبها فتراعى أحكام اليمين من جانبه وأحكام المعاوضة من جانبها عند أبي حنيفة ، وعندهما هو يمين من الجانبين ، وستأتي ثمرة الخلاف ( قوله إذا تشاق الزوجان ) أي تخاصما ( وخافا ) أي علما كقوله :

ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها



أي أعلم . وحدود الله تعالى ما حدده من المواجب التي أمر أن لا تتجاوز ، وهذا الشرط خرج مخرج الغالب إذ الباعث على الاختلاع غالبا ذلك ، لا أنه شرط معتبر المفهوم وهو مشاقتهما كذا قيل .

وقد يقال : جواب المسألة في كلام القدوري الإباحة ، فإنه قال : لا بأس أن تفتدي نفسها منه بمال : وإباحة الأخذ منها مشروطة بمشاقتها فهو معتبر شرطا في ذلك ( قوله فإذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال ) هذا حكم الخلع عند جماهير الأئمة من السلف والخلف ، وذهب المزني إلى أن الخلع غير مشروع أصلا ، وقيدت الظاهرية صحته بما إذا كرهته [ ص: 212 ] وخاف أن لا يوفيها حقها أو أن لا توفيه حقه ومنعته إذا كرهها هو . وقال قوم : لا يجوز إلا بإذن السلطان ، روي عن ابن سيرين وسعيد بن جبير والحسن .

وقالت الحنابلة : لا يقع بالخلع طلاق بل هو فسخ بشرط عدم نية الطلاق لا ينقص عدد الطلاق . وقال آخرون : يقع ويكون رجعيا ، فإن راجعها رد البدل الذي أخذه ، رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، قال : فكان الزهري يقول ذلك . وجه قول المزني إن قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } نسخ حكمها بقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } أجيب بأنه متوقف على العلم بتأخر هذه وعدم إمكان الجمع ، والأول منتف ، وكذا الثاني ، ولأن هذا النهي متعلق بما إذا أراد الزوج استبدال غيرها مكانها ، والآية الأخرى مطلقة فكيف تكون هذه ناسخة لها مطلقا ؟ نعم لو أراد بالنسخ تقدم حكمها على المطلقة في تلك الصورة : أعني صورة إرادة الزوج الاستبدال بها من غير نشوز منها كان حسنا .

وحاصله أنه يجب تقديم هذا الخاص على العام وهو حينئذ وجه مذهب الظاهرية . فإن قيل : الجواب مبني على تقديم الخاص مطلقا . فالجواب لا يصح لأن هذا الموضع مما يجب فيه تقديم الخاص عندنا .

لأنا إذا قلنا : يتعارضان كان الحكم الثابت حينئذ وجوب الترجيح إذا أمكن ، والترجيح يثبت للمحرم على المبيح لأن فيه الاحتياط وهو هنا في تقديم الخاص فيجب أن يقدم هذا الخاص هنا بحكم المعارضة لا بحكم التخصيص ، وكل موضع قدمنا فيه العام على الخاص عند تعارضهما في ذلك الفرد كان لثبوت الاحتياط بسبب كون حكم العام منعا والخاص يخرج منه بعض الأفراد كما في { لا صلاة بعد الفجر والعصر } مع قوله صلى الله عليه وسلم { لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } وإيجابا كقوله صلى الله عليه وسلم { فيما سقت السماء العشر } مع قوله { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } وإلا فنفس كونه عاما لا يقتضي التقدم لعين مفهومه ، بل لما يشتمل عليه من الاحتياط ، بل الجواب القول بموجبها وهو عدم حل الأخذ إذا كان النشوز من قبله ، وهو ما ذكر المصنف بقوله كره له أن يأخذ : يعني كراهة التحريم المنتهضة سببا للعقاب .

وإن قال الإمام المحبوبي في جوابهم : تأويل الآية في الحل والحرمة لا في منع وجوب المال وتملكه لأن الحرمة لا تثبت مع معارضة موجبها ، فإن المعارضة تنفي القطعية لتطرق احتمال نسخها بالمعارض ، لكنه أراد ما ذكرنا ، وسيأتي ما هو الحق فيه إن شاء الله تعالى . وجه قول الحنابلة وهو قول الشافعي في القديم ما روى عن طاوس عن ابن عباس : الخلع فرقة وليست بطلاق . رواه الدارقطني عنه .

وروى عبد الرزاق عنه : لو طلق رجل امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه حل له أن ينكحها ، قالوا : ذكر الله تعالى الطلاق في أول الآية وفي آخرها والخلع بينهما . وروى نافع مولى ابن عمر أنه سمع ربيع بنت معوذ ابن عفراء تخبر ابن عمر أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل ، فقال ابن عمر : عثمان خيرنا وأعلمنا ، فهؤلاء أربعة من الصحابة ، فإن ربيع وعمها صحابيان ، قالوا بذلك ، ويستدل عليه أيضا بالآية ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى أن قال { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ثم [ ص: 213 ] قال : فإن طلقها : يعني الثالثة المفاد شرعيتها بقوله تعالى { أو تسريح بإحسان } على ما أسلفناه من التقرير في فصل فيما تحل به المطلقة فيكون الافتداء غير طلاق ، وإلا كان الطلاق أربعا والثاني منتف .

وأيضا فإن النكاح عقد يقبل الفسخ . وقد تحقق فسخه بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة فلا مانع من كونه كذلك في الافتداء . قلنا : أما هذا الأخير فحاصله أنه وجه مجوز لكونه فسخا لا يوجب كون الواقع في الواقع أحد الجائزين بعينه وهو أنه فسخ أو طلاق فلا يفيد . وأما الآية فبالنظر إلى نفس التركيب يفيد بعد غاية التنزل أن الافتداء فرقة ليس غير .

فإن حاصل الثابت به كونه تعالى بعد ما أفاد شرعية الثلاث وبين ذلك نص على حكم آخر هو جواز دفعها البدل تخلصا من قيد النكاح وأخذه منها من غير تعرض لكونه غير طلاق أو طلاقا هو الثالثة أولا فتعين أخذها من خارج ألبتة ، وهذا أوجه من قولهم بين الثالثة بعوض وبغيره لأنه لا يحتاج الجواب إليه كما سمعت ، ولأنه يقتضي أن لا يشرع الخلع إلا بعد ثنتين ، بل إنما نص على شرعية الثلاث وبين حكما آخر هو جواز الافتداء عن ملك النكاح من غير زيادة على ذلك ، وأما ما ذكروه عن عثمان فبتقدير ثبوته ليس فيه سوى أنه قال : لا عدة عليها ولا تنكح حتى تحيض حيضة .

وأصل هذا ما روي من حديث ابن عباس { أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة } فسمى الحيضة عدة . رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه . ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم حكم في خلع امرأة ثابت بن قيس بأنها طلقة على ما في البخاري أنه قال له { اقبل الحديقة وطلقها تطليقة } فقول عثمان : لا عدة عليها : يعني العدة المعهودة للمطلقات ، وللشارع ولاية الإيجاد والإعدام ، فهذا يفيدك بتقدير صحته عدم التلازم بين عدم العدة وكونه فسخا ، على أن الذي تعرفه من حديث عثمان هذا هو ما رواه مالك عن نافع أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان ، فبلغ ذلك عثمان فلم ينكره ، فقال ابن عمر : عدتها أو عدتك عدة المطلقة .

وقال : بلغنا عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون : عدة المختلعة ثلاثة قروء . وقولهم إنه قول أربعة من الصحابة ممنوع لأنه ليس كل من اتصف باسم الصحابي يتبع أقضية النبي صلى الله عليه وسلم وآي الأحكام وعلم المتأخر والمتقدم وصار أهلا للاجتهاد بل يقلد بعضهم من اتصف بذلك ، وظاهر حال ربيع وعمها ذلك ، فإنهما قد استفتيا عثمان فقال لهما ما قال فاعتقداه ، فليس في المعنى إلا قول صحابيين لأن المقصود قول أهل الاجتهاد ، وهذا لو ثبت التلازم بين نفي العدة وكونه فسخا وهو منتف بما روي عن عثمان مما يخالف ذلك ، فلم يبق إلا قول ابن عباس ، وذلك ما روى مالك عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها فارتفعا إلى عثمان رضي الله عنه فأجاز ذلك وقال : هي طلقة بائنة إلا أن تكوني سميت شيئا فهو على ما سميت .

ولا نعرفه فيه إلا أن جمهان

لم يعرفه الإمام أحمد فرد الحديث لذلك ، وهو جمهان أبو يعلى ، وأبو يعلى مولى الأسلميين ، ويقال مولى يعقوب القبطي يعد في أهل المدينة تابعيا . روي عن سعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبي هريرة وأم بكرة الأسلمية .

وروى عنه عروة بن الزبير وموسى بن عبيدة الربذي وغيرهما ، وقال ابن حبان في الثقات : هو جد جدة علي بن المديني فهي ابنة عباس بن جمهان ، روى له ابن ماجه حديثا واحدا في الصوم عن [ ص: 214 ] أبي هريرة { لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد الصوم ، والصوم نصف الصبر } فلهذا صرح أصحابنا بنقل مذهبنا عن عثمان وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم ، ثم يعارضه قول غيره ، بل والمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسند ابن أبي شيبة : حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لا تكون طلقة بائنة إلا في فدية أو إيلاء .

وروي عن علي أيضا وتقدم ما رويناه عن عثمان ، وقال عبد الرزاق : حدثنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة } ومراسيل سعيد لها حكم الوصل الصحيح لأنه من كبار التابعين ، وكبار التابعين قل أن يرسلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن صحابي وإن اتفق غيره نادرا فعن ثقة ، هكذا تتبعت مراسيله ، وبه يقوى ظن حجية ما رواه المصنف عنه صلى الله عليه وسلم { الخلع طلقة بائنة } وكذا ما أخرجه الدارقطني وسكت عليه وابن عدي وأعله بعباد بن كثير الثقفي من { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة } وإن كان لا يصح على طريق أهل الشأن لأن الحكم بالضعف إنما هو ظاهر مع احتمال الصحة في نفس الأمر ، فجاز أن يقوم دليل الصحة في نفس الأمر مع الضعف في الظاهر .

وهاهنا نظر على أصولنا ، وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما روى حديث امرأة ثابت بن قيس على ما في البخاري عن ابن عباس { أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعتب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، قال صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة } ثم إن ابن عباس قال بأنه فسخ ، وعمل الراوي عندنا بخلاف روايته ينزل منزل روايته للناسخ ، اللهم إلا أن يثبت رجوعه كما قالوا ، والله أعلم به . والجواب أن بتقدير أن ثابتا طلقها امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم لا يبقى من محل النزاع وهو الخلع ، بل يصير طلاقا على مال ، فقول ابن عباس بعد ذلك : الخلع فسخ كلام في مسألة أخرى فحينئذ ما يأتي من تسمية الراوي له خلعا حيث قال : وكان أول خلع في الإسلام يعني أول طلاق بمال ، لأن الظاهر أن المخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم طلقها امتثل قوله صلى الله عليه وسلم فطلق ، وكثيرا ما يطلق الخلع على الطلاق بمال .

وعلى كل حال فالأظهر من قول الصحابة ما قلناه مع ما فيه من المرفوع الصريح الذي لا يقاومه النقل التقديري ، ولو تركنا الكل يتعارض ورجعنا إلى النظر في المعنى أفاد ما قلناه فمن ذلك ما ذكره المصنف رحمه الله بقوله ( ولأنه ) أي الخلع ( من الكنايات ) حتى لو قال خلعتك ينوي الطلاق وقع الطلاق البائن عندنا ، لأن حقيقة الخلع لا تتحقق إلا به ، وقد قدمنا في الكنايات أنها عوامل بحقائقها والنكاح قائم بالرجعى فلم ينخلع ، ثم لم يخرج عن ذلك إلا بذكر المال ، وذلك لا يقتضي خروجه عن حاله ، وأيضا هذه فرقة بعد تمام النكاح ، والأصل فيه كونها طلاقا لأنه هو المعهود والحمل على ما عهد واجب حتى يدل على خلافه دليل ولم يثبت كما أريناك .

والفرقة بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة قبل تمامه لأن النكاح فيه خيار إذا بلغت وعتقت وخيار المولي فكان ذلك امتناعا عن إتمامه معنى ، وأيضا ملك النكاح ضروري لأنه وارد [ ص: 215 ] على الحرة فيتقدر بقدر الضرورة وهو استيفاء منافع البضع فينتفي هذا الملك في حق الفسخ ، وأما وجه من قال لا بد من إذن الإمام فلم أره ، ويظهر أن قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما } فإنه تعالى شرعه مشروطا لخوف الأئمة والحكام إذ هم المخاطبون بقوله تعالى فإن خفتم وهذا فرع الترافع إليهم وإن كان خطاب ( فلا تأخذوا ) للأزواج فهو غير مستغرب في القرآن أن يكون خطابان يتلو أحدهما الآخر والمخاطبون بأحدهما غيرهم بالآخر .

والجواب ما ذكرنا من قصة الربيع من الموطإ يفيد أن الخلع وقع دون علم عثمان رضي الله عنه به ولم ينكره ، وكذا ابن عمر حين سمع به فأفاد عدم فهمهما ذلك . فيكون المراد من الآية إذن الأئمة من تمكينهم من الخلع إذا خافوا عليهما عدم القيام بالمواجب فيما إذا ارتفعوا إليهم لا أنه لا بد من الترافع إليهم ، وعلى اعتبار هذا المفهوم يمنعونهم عند عدم هذا الخوف بالقول والفتوى ، وتبين حينئذ أنه ليس مباحا لقوله صلى الله عليه وسلم { المختلعات هن المنافقات } رواه الترمذي .

وفيه وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير ما بأس به لم ترح رائحة الجنة } لا بالحكم بعد النفاذ والصحة إذا وقع .

وأما وجه من قال إنه رجعي فذكر بعضهم فيه ما لا حاصل له ، ولا غبار على الوجه المذكور في الكتاب فيه وهو أنها إنما بذلت المال لتسلم لها نفسها ، والله تعالى شرع الافتداء لذلك ، وإلا لو كان رجعيا لم يحصل الغرض الذي شرع لأجله ولأنه معاوضة ، والزوج قد ملك المال حكما لصحة هذه المعاوضة فلا بد من أن تملك نفسها حكما لها تحقيقا لها كما في جانبه ، والله سبحانه أعلم ( قوله إلا أن ذكر المال ) استدراك مما يتوهم لزومه على قوله إنه كناية من افتقاره إلى النية ، ومقتضاه أنه إذا أنكرها يصدق قضاء وليس كذلك ، قالوا : لا يصدق في لفظ الخلع والطلاق والمبارأة والبيع في عدم النية عند ذكر المال بأن يقول بارأتك على ألف أو بعت نفسك أو طلاقك على ألف وعند عدمه يصدق في إنكارها قضاء في الخلع والمبارأة لا في لفظ الطلاق والبيع لأنهما صريحان ذكره في الكافي .

فأجاب بأن ذكر المال يغني عنها إذ هو قرينة ظاهرة : على إرادة الطلاق إذ من المعلوم أنه لا يستحقه إلا بسببه




الخدمات العلمية